نصاب بالدهشة من المتابعات الحثيثة للإنتاج الفكري والفني بشكل خاص المنشور في حقب ماضية، لا سيما ذلك الذي تتحقق سيناريوهاته التي بدت كأساطير وخرافات في الوقت الذي عرضت فيه، حيث لا تزال تتحول العديد من أفلام الخيال العلمي، والتصورات المذهلة، والقصص الإبداعية إلى نبوءات نعيش تحققها في واقعنا هذا. 
ومن اللافت في هذا المجال، الإشارة إلى العديد من الصناعات والابتكارات التي باتت تشكل شريكاً فاعلاً ومتفاعلاً مع الإنسان في الواقع الحالي، والتي ظهرت أول مرة كفكرة خيالية، ومنها رحلة الإنسان إلى القمر، واختراعه للروبوتات، والابتكارات في مجال الأجهزة الطائرة، والحاسوب اللوحي وغيرها الكثير.
أما في مجال استثمار الخيال في قطاع الإبداع وتنمية الجانب الفكري، فهناك العديد من الأدوات أو الوسائل التي يمكن تطويرها من أجل إنجاح هذا المشروع الضخم الذي يعود بفائدة كبيرة ومتمددة على المجتمعات الإنسانية دون استثناء. إن ذلك يمكن من خلال تعزيز سبل «الارتقاء التخيلي» عند الأفراد، مثل التدريب على حل المشكلات من خلال تصور حل نبتكر عبر إنتاج جديد يتمثل في التقنية أو في المنهجية أو في الأداة، مما يقود إلى حل المشكلة بشكل مبتكر. وهذا بالإضافة إلى التدريب على استخدام الخيال في بناء الاستشرافات المستقبلية، ومدى مواءمة الموارد المتاحة للحل المتخيل، كما يمكن إدماج وسائل التجربة الافتراضية التي تسمح بتخيل مادة فعاليات الأفكار الموضوعة في حل المشكلة إلى جانب استخدام الخيال، بحيث يكون السلة التي تجمع اقتراحات فكرية يمكن الاستناد إليها من خلال الرجوع للخبرات والاختصاصات ذات الصلة، وصولاً إلى الهدف المشترك من خلال توطيد وسائل التعاون بين أفراد المجتمع، وبالتالي فإن كل ذلك يمثل دعوةً جادة لاستثمار الخيال باعتباره «محرك الواقع والمستقبل»، وبذرة التقدم والابتكار. 
إن كل الدراسات والفلسفات المطروحة في مجال الخيال الفكري وانعكاساته، تلح على ضرورة إيلاء الخيال مساحةً أكبر، والحديث عنه بصوت أعلى مع الأطفال قبل الكبار، سعياً لتنشئة أرضية فكرية خصبة بإرادة «اللامستحيل»، من خلال الانطلاق نحو فسحة كبيرة تعطي أجيالنا الحالية والمستقبلية الجرأةَ على المحاولة، والقدرة على فهم «ديناميكيات النجاح والفشل» وتخطي التحديات المتوقعة وغير المتوقعة.
ولا يمكن تخطي ضرورة إدماج تمويل مشاريع «صناعة الخيال»، بالتوازي مع كبرى الاستراتيجيات والاهتمامات المجتمعية والدولية، وبخاصة أن الخيال يعتبر أحد الأشجار المثمرة التي تعود بالنفع على حياتنا من خلال حفز الإبداع والابتكار، ودفع التطوير الذي يؤدي إلى التقدم الملموس، وتحفيز التفكير النقدي، وتنمية القدرة على بناء الاستشرافات التي تستطيع فهم التداعيات المتوقعة والإنجازات المحتملة والمأمولة في آن واحد. وهذا إلى جانب العديد من الانعكاسات على المجال الثقافي والأكاديمي والفني، من خلال إفساح مساحة أكبر لتفاعل الواقع مع الخيال والتناغم الحاصل بين المشاعر والأفكار والآراء، والتي من خلالها يمكن التعريج على إنجاز إنساني باتت تحتاج له معظم شرائح المجتمع في يومنا هذا، وبخاصة في ظل الضغوطات الاقتصادية والسياسية والصحية والبيئية، حيث يعتبر استخدام مهارات تنمية الخيال أحد العلاجات السيكولوجية التي تساعد على تطوير الإدراك الفكري، إلى جانب الاندماج بحالة من الاسترخاء والتفاؤل والإيجابية، مما يعني أن هنالك دعوة للانخراط الإنساني في العالم الافتراضي الإلكتروني دون وضع أي حدود أو عوائق. وبهذا، فالخيال هو التعبير الفعلي عن البوابة السرية التي تقود العاقل الحاذق المجتهد نحو مستقبل مليء بالمعرفة المتجددة القائمة على الابتكار الخلاق.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة