عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية، بعد فوزه على مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس. ورغم أني في عام 2016، ومن هذا المنبر تحديداً، توقعتُ فوز ترامب على هيلاري كلينتون، إلا أني في هذا العام توقعت فوز هاريس، لأسباب سيأتي ذكرها هنا لاحقاً، ولكن جاءت النتائج مخالفةً لتوقعاتي، وأيضاً لتوقعات الغالبية من المتابعين للشأن الأميركي.
في عام 2016 وقفت «آلة» الإعلام الأميركية بقوة خلف هيلاري، ما عدا وسائل الإعلام اليمينية وعلى رأسها قناة «فوكس»، وقد تكرر الوضع نفسه مع هاريس، ثم كانت استطلاعات الرأي العام في العام 2016 ترجح فوز هيلاري، وهو ذات الأمر مع هاريس، لتأتي النتائج مخالفة لذلك كله، وليفوز الجمهوريون فوزاً كاسحاً على منافسيهم الديمقراطيين، ليس فقط على مقعد حاكم البيت الأبيض، بل على مستوى الكونغرس بغرفتيه، إذ حافظوا على الأغلبية في مجلس النواب وفازوا بالأغلبية في مجلس الشيوخ، إلى جانب حصولهم على أغلبية مقاعد حكام الولايات.
وكما ذكرتُ، فقد كانت غالبية التوقعات تشير إلى فوز مرشحة الحزب الديمقراطي، وذلك للعديد من الأسباب، على رأسها أن المجتمع الأميركي قد شهد خلال ولاية ترامب الأولى حالة من الاستقطاب صاحبَها توجُّه فردي في السياسات والقرارات، إضافة إلى محاولة التصويت على عزله، مع خلافات عميقة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، إلى جانب الحرب التجارية التي استعرت بين الولايات المتحدة والصين، ثم جاء هجوم بعض أنصار ترامب على مقر الكابيتول قبيل تنصيب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وما أعقب ذلك من توجيه 34 اتهاماً جنائياً للرئيس السابق بعد انتهاء فترة رئاسته.
ورغم ذلك كله، أعاد الأميركيون انتخاب «ترامب» رئيساً لهم كي يحكم لفترة رئاسية ثانية ليس على التوالي. وأحد الأسباب الرئيسة لفوزه، وهزيمة هاريس هو الارتباك الذي ساد صفوف «الديمقراطيين»، إذ كان جو بايدن قد أشار إلى أنه قد لا يترشح لولاية ثانية، لكنه تراجع عن ذلك، ثم جاء أداؤه الكارثي أثناء المناظرة الانتخابية أمام ترامب بمثابة «الضربة القاضية» التي بعثرت أوراق الحزب الديمقراطي كافة. والسبب الثاني، هو تزكية بايدن لنائبته كامالا هاريس لمنافسة ترامب، وقد اعتبرها عامة الشعب الأميركي مجرد وجه آخر لسياسات بايدن غير الفعالة في مجالي الاقتصاد والهجرة غير الشرعية. أضف إلى ذلك تأييد هاريس لحرب إسرائيل على قطاع غزة، وهو أمر تعارضه شرائح المجتمع الأميركي، وخاصة قطاع الشباب. وهذا علاوة على عدم ذهابها أثناء الحملة الانتخابية إلى مدينة «ديربورن»، معقل الناخب الأميركي من أصول عربية، مثلما فعل ترامب. وعزت بعض التحليلات أيضاً خسارة هاريس إلى كونها امرأة وليست «رجلاً أبيض»، وكونها لا تمتلك «كاريزما» ترامب، بجانب تأييده الكبير للإجهاض، والذي لا يزال مرفوضاً لدى ولايات عدة.
وتُحذر التحليلات حالياً من حدوث انقسامات بين شرائح المجتمع الأميركي، وخاصة بين المستوى المحلي والمستوى الاتحادي، إذ تقوم العديد من الولايات بسن تشريعات محلية في محاولة لصد أي قرارات من ترامب لترحيل المهاجرين، بجانب تعيين ترامب مسؤولين في إدارته الجديدة على قطاعات لا تناسب كفاءاتهم المهنية، ومثال ذلك ترشيحه أحد مذيعي قناة «فوكس» ليكون وزير الدفاع.
لكن الانقسام في الرأي ليس جديداً على المجتمع الأميركي، بل هو موجود بالفعل منذ عقود، وهناك قواعد راسخة لإدارته، وليس من الإنصاف توجيه اللوم في إخراجه على الملأ إلى أحد بعينه.
*باحث إماراتي