في كتاب «ومضات فكر» لمؤلفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، يقول في جملة ملهمة في إدارة التغيير: «يجب أن تتعود على ألّا تتعود»، وهي تلخص التوجه الإبداعي في كيف يجب أن تُدار إدارة التغيير، وإدارة التغيير على العموم بمفهومها التقليدي هي النهج الشامل الذي يتم اتباعه من قبل الشخص، أو المؤسسة أو المنظمة أو الحكومة للانتقال من الحالة الحالية إلى حالة مستقبلية مرغوبة باستخدام نهج منسّق ومنظم بالتعاون مع أصحاب المصلحة، وقبل كل ذلك قبول حتمية التغيير، وبعيداً عن كيف يتم إدخال التغيير التنظيمي في المهام والإجراءات المؤسسية من خلال الاستراتيجيات والخطط والمشاريع والبرامج من أجل تقديم قيمة مضافة استدامتها قابلة للتغيير، إلّا أنه ليس سوى بداية لعملية تضمن التغيير وجعله الحالة الطبيعية الجديدة.
غالباً ما تكون إدارة التغيير ضرورية لضمان استمرارية النمو المؤسسي وتعزيز أهمية العمل النوعي للتغلب على المنافسين، والتفوق في مجالات تكون ماركة مسجلة للمؤسسة أو الحكومة ورابط بين عملية إدارة التغيير وبين التخطيط والتنفيذ، وهو ليس بالأمر السهل تماماً وتفشل فيه أكثر من 75% من المؤسسات الخاصة والحكومية على حد سواء.
ولكن إدارة التغيير في الحكومات بالتحديد تُشكل تحدياً خاصاً نظراً لوجود العديد من التحديات والتنافس الشرس بين القطاعات والأولويات المتباينة لدى الإدارات المختلفة في المؤسسة نفسها، قبل أن تكون بين الوزارات والهيئات والجهات الحكومية وشركائهم في القطاع الشبه حكومي والخاص، وقد تشكل هذه الشبكة المعقدة من المصالح عوائق يصعب تخطيها.
ومن الصعب تنفيذ التغيير بكفاءة إلّا بعد تخطيها من دون رجعة وليس مجرد تعطيلها أو إزاحتها عن الطريق، أو تغيير مسؤول بمسؤول كخلطة سحرية لتحقيق النجاح، ولنعلم أن المستحيل ليس له مكان في عقلية قيادات التغيير التي تصنع ثقافة التغيير، وتجعل الموظفين من يقودونها دون فرضها عليهم، وهو يتطلب أن ندرك أن تكليف المدير بقيادة التغيير يمكم اعتباره بداية فشل عملية التغيير، فمن يقوم بالتغيير هم القادة الحقيقيون وليس المدراء.
تكون المؤسسات الحكومية أحياناً أجهزة إدارية مترهلة ذات تسلسلات هرمية وأنظمة يتحكم بها الأفراد ولا تتحكم هي بالأفراد، فضلاً عن القيود القانونية والتنظيمية والتي يمكن أن تبطئ عملية التغيير. كما أن الطبيعة البيروقراطية للجهات الحكومية تبدو أحياناً وكأنها الطبيعة المثالية للعمل في القطاع العام، وبالتالي من الصعب الحراك وتنفيذ التغيير بشكل فعّال، وكل القرارات والتغييرات التي تتخذ بشأن إدارة التغيير مشخصنة وترتبط بالأشخاص والشللية، ومن يزكّي من ومن يتحالف مع من، وتقاس الفعالية من خلال رأي شخص أو شخصين، وتحديد مصير مؤسسة مؤلفة من آلاف الأشخاص من خلال أدوات التدمير تلك، ويمكن أن تستغرق عملية الموافقة على التغييرات البسيطة شهوراً طويلة إن لم يكن سنوات، وهو ما قد يكون محبطاً لأولئك الذين يحاولون دفع عجلة التغيير في منظمات القطاع العام.
من جانب آخر، يشعر المدراء بالضغط لمعالجة قضايا متعددة في وقت واحد، مما قد يؤدي إلى نقص التركيز والتغيير غير المجدي، ونقص الاستثمار في الخبرات والموارد لإدارة التغيير، وبالتالي يتولى أفراد خارقون للعادة وفقاً لمدرائهم أو تتولى فرق أو لجان خاصة مشاريع إدارة التغيير بدوام جزئي بالإضافة إلى عملهم المعتاد، وتصعّب هذه الأولوية تخصيص الوقت والتركيز المطلوبين للتغيير الفعّال، وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع معدل فشل مشاريع التحول الحكومي.
وليس من المستغرب أن يجهل البعض أدوات إدارة التغيير والاعتبارات السياسية المتعلقة بها، وفن تنفيذ السياسات العامة ووضع آلية مقاييس لتقييم نجاح إدارة التغيير، وكيف تدار مقاومة التغيير من قبل المستفيدين من الوضع القائم، ولذلك وجود وزار ة التغيير الذكية المتسلّحة بأحدث التقنيات الحديثة، وإدارة للتغيير في كل مؤسسة حكومية يجب أن تكون من أولويات أي حكومة تريد أن تجعل التغيير الإيجابي أسلوب حياة.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات