أثار«ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الحادي عشر»، الذي جاء تحت عنوان: «وهم الاستقرار: عالم في اضطراب»، أسئلة عدة حول وضع العالم اليوم، أي ما بعد الحرب الباردة، والمتغيرات الكثيرة التي تؤثر على أمنه واستقراره في عدة جوانب، بما في ذلك سباق التسلح، والانقسام الفكري، وأنماط التحول في التحالفات التي أفرزتها المرحلة، والنظام العالمي القائم على تعدد الأقطاب، والتحديات التي تتشكل في ظل تصاعد التوترات والنزاعات بين الدول والقوى.
والملتقى الذي نظمه مؤخراً مركز الإمارات للسياسات في العاصمة أبوظبي، تمحور حول الاتجاهات والتحولات التي تعزز حالة الاضطراب وغياب الاستقرار في العالم ومنطقة الشرق الأوسط، وذلك في وقت تعيش خلال منطقة الشرق الأوسط أحداثاً كبرى مع عودة الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض، وانتظار التغيرات الكبرى التي ستحدث في توجهات الإدارة الأميركية الجديدة من حيث تعاملها مع ملفات الحروب والصراعات في العالم.
وبرأينا أن الملتقى مثّل فرصة مهمة لتعزيز لغة الحوار بين المشاركين. ثم إن قيمته ليست في ما قدمه السياسيون والباحثون المتخصصون من معلومات فقط، إنما في إثارة أسئلة مهمة حول مستقبل الدول التي تنشب فيها صراعات ومواقف الدول المجاورة لها، عدا عن تصادم المصالح السياسية والاقتصادية بين القوى المؤثرة في تلك الصراعات، وإمكانية حلها دبلوماسياً.
جلسات الملتقى شهدت طرح الكثير من وجهات النظر والمساجلات والنقاشات. ومن بينها الجلسة الافتتاحية، وخلالها حث معالي د. أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، على ضرورة وجود عمل عربي جماعي متعدد الأطراف لمواجهة المخاطر التي تتسبب بها الميليشيات والجماعات المسلحة على سيادة الدول ومؤسساتها. الجلسة ذاتها جمعت بين جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، الذي كان يدافع عن سياسة الولايات المتحدة الأميركية، ولانشين شيانج، الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية والتنمية للدراسات العليا بجنيف، الذي أشار إلى أن «المشهد الدولي يعكس حالياً عالماً خطيراً يعاني التشرذم والتضاد، وهو عالم أخطر مما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية»، وزيد عيادات - مدير الجلسة - الذي تحدث عن محددات المشهد الراهن و«وهم الاستقرار الذي جعلنا نتناسى أننا نعيش في عالم مضطرب ومتعدد الأقطاب ولديه ديناميكيات جديدة».
وقد نال الوضع الفلسطيني حيزاً خاصاً ومهماً في نقاشات الملتقى، حيث تم تسليط الضوء على الانعكاسات المحتملة لحرب غزة على الاستقرار الإقليمي، ومستقبل حل الدولتين، والخيارات الممكنة لإقامة الدولة الفلسطينية والعوائق أمامها. ولم يتوقف نقاش المشاركين عند هذا الحد، بل تطرقوا للنزاعات الأخرى التي تشوش المشهد العربي بالدرجة الأولى، ومنها ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن والسودان. وقد ناقش المجتمعون الأسباب والعوامل المحلية لعدم إنهاء تلك النزاعات وتسويتها، والتأثيرات الجيوسياسية والخارجية والمقاربات والإجراءات المطلوبة لبناء السلام الدائم في الإقليم.
ولم يغفل الملتقى الوضع الاقتصادي. الكثير من الخبراء المشاركين أكدوا أن الاقتصاد هو المحرك الأساسي للتحالفات، وكذلك السبب الجوهري لكثير من الصراعات، مشيرين إلى أهمية الشراكات الاقتصادية الشاملة التي تتبناها الإمارات، واعتمادها نهج التعاون وتفعيل المبادرات مع بقية الدول، وهو ما ينسجم مع «رؤية الإمارات 2050» القائمة على السياسات المستنيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بالاستدامة والتنويع الاقتصادي والتقدم التقني والابتكار.
الملتقى الذي دخل قائمة أفضل عشرة مؤتمرات استراتيجية على مستوى العالم - حسب جامعة بنسلفانيا الأميركية - فرصة لترسيخ مكانته كمنصة لتقديم وجهات النظر والرؤى والأطروحات للعديد من القضايا والملفات، ولفهم توجهات القوى المؤثرة في العالم.