من المرجّح أن يحصل قريباً وقفٌ لإطلاق النار في لبنان، ويُفترض أن يتبعه حدث مماثل في قطاع غزّة. الانتخابات الأميركية وانتقال السلطة من إدارة إلى أخرى جعلا ذلك احتمالاً ممكناً، علماً بأن الحزبين، «الديمقراطي» الخارج من الحكم و«الجمهوري» العائد إليه، يلتزمان بالدعم المطلق والثابت لإسرائيل في ما يتعلّق بحروبها وأمنها ومستقبلها.

لكن أجندة «اليوم التالي» دفعت حكومة إسرائيل إلى تأجيل أي هدنة وراهنت على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، معتبرةً أنه سيمكّنها من مكاسب قد لا تحصل عليها مع رئيس «ديمقراطي». لذا أُطيلت الحرب في غزّة، رغم أن المستوى الأمني الإسرائيلي أفاد منذ يونيو الماضي بأنه حقّق أهدافه عسكرياً وبقيت قضية الرهائن التي يُفضّل حلّها بالتفاوض مع «حماس»، كما طلب بالنسبة إلى لبنان بتفعيل «الحل الديبلوماسي» مع مواصلة الضغط العسكري على «حزب الله» كي يبتعد عن الحدود.

وتستمر الحربان عملياً من دون أهداف، أو للتأثير في المفاوضات التي نقلتها إسرائيل إلى واشنطن وحوّلتها إلى اتصالات ثنائية بينها وبين إدارة جو بايدن الضاغطة للحصول على اتفاق تبادل للأسرى قبل انتهاء ولايتها، كذلك بينها وبين فريق ترامب الراغب في أن تتوقف الحربان قبل تولّي الرئيس المنتخب مهمّاته في 20 يناير المقبل.

ورغم أن العمل مع الإدارتين في المرحلة الانتقالية يُعتبر استثنائياً ونادراً، إلا أنه لم يحصل إشكال يذكر من تداخل المواقف، فالإدارتان تريدان إنهاء الحربين، لكن تعذّر إحراز تقدم في ما يخصّ غزّة لأن الملف معقّد والمفاوضات مجمّدة منذ أسابيع طويلة بسبب الشروط المتبادلة بين إسرائيل و«حماس»، لذا جرى التركيز على لبنان، سواء لأن ترامب نفسه أعطاه أولوية أم، لأن الضربات التي وجهتها إسرائيل لقيادة «حزب الله» ومخازن أسلحته وبيئته الحاضنة اعتبرت كافية لإضعافه ودفعه إلى قبول شروط وقف إطلاق النار وفقاً للقرار الدولي 1701. لقد أصبح معروفاً أن إسرائيل أرادت في أكتوبر 2023 شنّ حرب على «حزب الله» الذي فتح جبهة إسناد لغزّة من جنوب لبنان، غير أن واشنطن عارضت ذلك وأقنعتها بالتركيز على عملياتها ضد «حماس» في غزّة، ثم أرسلت حاملةَ طائرات وقدرات بحرية وجوية إلى المتوسط بهدف ردع «محور الممانعة» واستباقاً لأي مواجهة ممكنة مع إيران.

في الوقت نفسه بدأ المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين مهمةَ البحث عن حلٍّ دبلوماسي وقدّم مقترحات لتطبيق القرار 1701 وإنهاء الخلافات الحدودية بين لبنان وإسرائيل مقابل وقف «حرب الإسناد» لغزّة، إلا أن «حزب الله» ربط موافقته على تنفيذ ما يُتفق عليه بوقف الحرب على غزّة. وفي كل مراحل التفاوض كانت إسرائيل تؤكّد أنها مصممة على إنهاء التهديد لمنطقتها الشمالية، إما بحل دبلوماسي لم ينجح، أو بعمل عسكري هو الآن قيد التنفيذ. عندما صدر القرار 1701 عام 2006 كان في صيغته حرصٌ على عدم تكرار الحرب، لكن الطرفين ارتضيا تنفيذَه جزئياً، فالجانب الإسرائيلي رأى في التنفيذ ثغرات يمكنه استغلالها، والجانب اللبناني خشي من أن يؤدي تجريد «حزب الله» من سلاحه إلى «حرب أهلية».

وهكذا بقيت قضية السلاح غير الشرعي قائمة، وهي الآن عقدة صعبة يراد حلّها بإشراف دولي مباشر على التنفيذ. ويتطلّب حلّها تفاهماً مع إيران التي تقول الآن إنها تؤيد ما توافِق عليه «المقاومة» والحكومةُ اللبنانية، وهذه صيغة تبدو مسهِّلة، غير أن «حزب الله» ليس جاهزاً بعد للتخلّي عن طموحاته وأوهامه ولا لوضع سلاحه في كنف الدولة.

*كاتب ومحلل سياسي - لندن