كانت هذه السنة التي توقع فيها الجميع أن يتسبب الذكاء الاصطناعي في إحداث فوضى في الانتخابات. لمدة عامين، حذر الخبراء من واشنطن إلى وادي السيليكون من أن التقدم السريع في التكنولوجيا سيزيد من انتشار المعلومات المضللة والدعاية وخطاب الكراهية، مما قد يهدد العملية الديمقراطية، وربما يؤثر على نتيجة الانتخابات الرئاسية.

ولم تتحقق أسوأ المخاوف ــ ولكن مخاوف أخرى تحققت. ويبدو أن الذكاء الاصطناعي لم يؤثر بشكل كبير في طريقة تصويت الناس، بقدر ما عمق عدم ثقتهم في الواقع. فقد أصبح الأداة الجديدة للدعاية الحزبية التي ضاعفت من قوة السخرية والروايات السياسية الكاذبة وخطاب الكراهية، لترسيخ المعتقدات الحزبية بدلاً من تغييرها، وفقاً لمقابلات وبيانات من محللي المعلومات المضللة، وخبراء الذكاء الاصطناعي. في تقرير مشترك مع صحيفة «واشنطن بوست»، وجد الباحثون في معهد الحوار الاستراتيجي (ISD) أن الزيادة السريعة في المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي قد خلقت «نظام معلومات ملوثاً بشكل جوهري»، حيث يجد الناخبون صعوبة متزايدة في التمييز بين ما هو حقيقي ومصطنع.

قال هاني فريد، أستاذ في جامعة كاليفورنيا ببيركلي، والذي يدرس الدعاية الرقمية والمعلومات المضللة: «هل غيّر الذكاء الاصطناعي الانتخابات؟ لا، لكن كمجتمع، نعيش الآن في واقع بديل... نحن نختلف حول ما إذا كانت اثنان زائد اثنين تساوي أربعة». كما عززت منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، التي بذل مالكها إيلون ماسك قصارى جهده لدعم حملة دونالد ترامب، دورها مكاناً يمكن فيه تداول محتوى الذكاء الاصطناعي دون ضوابط. ومع استعداد ترامب لتولي منصبه، يقول الخبراء إن الذكاء الاصطناعي، خصوصاً على «إكس»، قد يوفر لمؤيديه وسيلة إبداعية لتعزيز المجتمع وقبول السياسات المثيرة للجدل، مثل الترحيلات الجماعية، أو حظر الإجهاض.

ويقولون إن التزييفات التي يصنعها الذكاء الاصطناعي ستساعد المؤثرين في نشر روايات كاذبة على منصات التواصل الاجتماعي التي تفتقر إلى التنظيم، ما يعزز المعتقدات الحزبية لملايين الناس. ظهرت تقنية التزييف العميق في وقت مبكر من دورة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وخاصة عندما تم تزوير صوت الرئيس جو بايدن في يناير الماضي لتثبيط الناخبين في نيو هامبشاير عن التصويت في الانتخابات التمهيدية للولاية.

وتم تغريم العميل الديمقراطي الذي يقف وراء ذلك، والذي ادعى أنه سعى إلى زيادة الوعي بمخاطر الذكاء الاصطناعي، 6 ملايين دولار من قبل لجنة الاتصالات الفيدرالية، التي أشارت إلى انتهاكات لقواعد الاتصالات. في يوليو الماضي، شارك أيلون ماسك على منصة «إكس» مقطعاً صوتياً زائفاً أُنشئ بوساطة الذكاء الاصطناعي لنائبة الرئيس كامالا هاريس، والتي احتفلت فيه بقرار بايدن بالتنحي، ووصفت نفسها بـأنها «موظفة متنوعة»، المنشور حظي بأكثر من 100 مليون مشاهدة، وما زال على المنصة من دون علامة أو تحقق من الحقائق. 

ورغم أن أكثر من عشر ولايات لديها قوانين تعاقب الأشخاص الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقاطع فيديو مضللة عن السياسيين، إلا أن هذا المحتوى ظل دون رقابة إلى حد كبير، مما يكشف عن ثغرات في كيفية تنفيذ تلك القوانين، وسياسات وسائل التواصل الاجتماعي. وفقاً لمنظمة تتبع المعلومات المضللة «نيوز جارد»، فإن جهات التأثير الأجنبية استخدمت الذكاء الاصطناعي حتى الساعات الأخيرة من الانتخابات لنشر ادعاءات لا أساس لها حول تزوير الانتخابات في ولايات مثل أريزونا، ونشر صور مزيفة لقادة عالميين مثل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحث الناس على التصويت لهاريس، ورغم انتشار الذكاء الاصطناعي، إلا أنه لا توجد أدلة على أن الأنشطة الضارة كان لها «تأثير مادي» على عملية التصويت، بحسب جين إيسترلي، مديرة وكالة الأمن السيبراني والبنية التحتية.

وأكدت الباحثة «كيت ستاربرد»، المشاركة في تأسيس مركز المعلومات العامة في جامعة واشنطن، في إحاطة إعلامية أن معظم الشائعات تستند إلى تفسيرات خاطئة للأدلة الحقيقية بدلاً من الأدلة الملفقة. ويعكس هذا الاتجاه في الانتخابات بالخارج. فقد أظهرت دراسة أجراها معهد «آلان تورينج» في بريطانيا أنه لم يكن للذكاء الاصطناعي تأثير على الانتخابات في بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي.

وقال سام ستوكويل، الباحث الرئيس في الدراسة: «لا تزال هناك أدلة قليلة على أن الذكاء الاصطناعي أثر في نتيجة الانتخابات، لكننا ما زلنا نشعر بالقلق إزاء التآكل المستمر للثقة فيما هو حقيقي، وما هو مزيف عبر مساحاتنا على الإنترنت». وقال فريد إنه في المستقبل قد تكون منصة «إكس» قنبلة موقوتة للمعلومات الخاطئة التي يولدها الذكاء الاصطناعي.

وأضاف: «القدرة على إنشاء الروبوتات واللغة والصور والصوت والفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي لدعم كل هذه الأكاذيب يسمم عقول الناس الذين يحصلون على معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي». اعتمد ترامب وحلفاؤه على الذكاء الاصطناعي في نقاط عدة، خلال الحملة، ما أثار في بعض الأحيان ردود فعل سلبية، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهود قد ساعدت أو أضرت بحملته. في أغسطس، شارك صوراً أُنشئت بوساطة الذكاء الاصطناعي لمعجبي تايلور سويفت الذين يبدو أنهم يؤيدونه - وهي الخطوة التي قالت سويفت إنها دفعتها إلى تأييد هاريس علناً. في الشهر نفسه، زعم المرشح «الجمهوري» زوراً أن صور هاريس، وهي تحيي حشداً كبيراً في تجمع جماهيري في ديترويت أُنشئت بوساطة الذكاء الاصطناعي.

يقول الخبراء إن تصديق العديد من المؤيدين له هو مثال على ظاهرة تُعرف باسم «عائد الكاذب»، حيث يسمح الوعي العام بإمكانية وجود تزويرات الذكاء الاصطناعي للجهات الفاعلة غير النزيهة بإثارة الشك في الادعاءات الصادقة أو الصور الحقيقية.

في تحليل لـ 582 من التزييفات السياسية التي ظهرت، خلال دورة الانتخابات الرئاسية، وجد باحثو جامعة بيردو أن 33% منها كانت عن ترامب، بينما ركزت نحو 16% على هاريس و16% على بايدن. وشملت هذه المحتويات التي تصور المرشحين في ضوء إيجابي وسلبي. أظهرت البيانات التي شاركتها الباحثة كريستينا ووكر من جامعة بيردو أن نحو 40% من هذه التزييفات التي أُنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي تمت مشاركتها لأسباب ساخرة. وتمت مشاركة نحو 35% من قبل «مستخدمين عشوائيين» لديهم عدد ضئيل من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تمت مشاركة نحو 8% من قبل شخصيات لديها أكثر من 100000 متابع على منصة التواصل الاجتماعي حيث شاركوها.

لكن بعض أضرار الذكاء الاصطناعي الأكثر ديمومة كانت في تعكير مياه الواقع، كما قال الخبراء، مما دفع الناس إلى التساؤل على نطاق أوسع عما هو صحيح. ومن المثير للاهتمام أن الباحثين وجدوا أن المستخدمين غالباً ما يرون أن المحتوى الأصلي أنشئ بوساطة الذكاء الاصطناعي وليس العكس. بينما سعت المنصات إلى تعزيز عملياتها للكشف عن المحتوى الكاذب، قالت إيزابيل فرانسيس رايت، مديرة التكنولوجيا والمجتمع في ISD، «إن ما نراه الآن حقاً هو أزمة عندما يكون المحتوى حقيقياً».

برانشو فيرما *

مراسل في فريق التكنولوجيا بصحيفة واشنطن بوست.

ويل أوريموس**

**يكتب عن الأفكار والمنتجات وصراعات القوة التي تشكل العالم الرقمي لصحيفة واشنطن بوست.

كات زاكرزيوسكي***

***مراسلة سياسة التكنولوجيا الوطنية، وتتبع الجهود العالمية لتنظيم صناعة التكنولوجيا. تركز على سياسة الذكاء الاصطناعي والمعارك حول حرية التعبير عبر الإنترنت.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»