انعقادُ القمة السادسة عشرة لمجموعة «البريكس» قبل أسبوعين من يوم الاقتراع في الولايات المتحدة قد يفرضُ على الرئيس المنتخب دونالد ترامب التفكيرَ في اليد الممدودة إليه، وإلى العالم كله. أكبرُ تجمعٍ اقتصادي في عالم اليوم يفتحُ في بيانه الختامي نافذةً للخروج مِن ضيق الصراعات والحروب إلى آفاق التعاون والسلام. لم يعد هذا التجمعُ خماسياً، رغم أن اسمه مازال اختصاراً للأحرف الأولى من أسماء الدول الأربع التي أسسته في يونيو 2009 (روسيا والصين والهند والبرازيل)، ومعها جنوب أفريقيا التي انضمت إليه في العام التالي. فقد توسعت عضويتُه في أغسطس 2023 لتشمل دولة الإمارات ومصر والسعودية وإثيوبيا وإيران. واتُفق مبدئياً في قمته الأخيرة، التي استضافتها قازان الروسية في الشهر الماضي، على ضم 10 دول أخرى من بين 30 دولة تطلب الالتحاق به.
هذه، إذن، مجموعةُ شديدةُ التنوع، ولدولها سياساتٌ واتجاهاتٌ تعبرُ عن مصالح كل منها. ولا تُعد بالتالي تحالفاً سياسياً موجهاً ضد أي طرفٍ آخر في النظام العالمي، فضلاً عن أن رفض الأحلاف العسكرية هو أحدُ الأسس التي تقومُ عليها المجموعة منذ تأسيسها. فهي تسعى للتعاون مع الجميع من أجل تعدديةٍ تسهمُ في زيادة فرص النمو ودعم الاقتصاد العالمي. وهذا واضحُ في وثائقها، والبيانات التي تصدر عن اجتماعاتها، بما فيها البيان الختامي لقمتها الأخيرة، إذ أكد قادتُها التزامَ دولهم بالعمل لتعزيز التعاون على أساس المصالح المشتركة، ومواصلة توسيع نطاق الشراكات التي تدعمُ الاقتصادَ العالمي، وتطوير دور منظمة التجارة العالمية لزيادة فعاليتها، وتعزيز فرص التنمية والازدهار للجميع.
تقومُ هذه المجموعةُ، إذن، على مبدأ الربح للجميع «رابح-رابح»، وليس على معادلةٍ صفرية، وهو ما تشتدُ الحاجةُ إليه في لحظةٍ بالغة الصعوبة على صعيد العلاقات الدولية. ولا سبب، والحال هكذا، لقلق أميركا أو غيرها منها. وتعاون الدول الغربية مع مجموعة «البريكس» يمكنُ أن يخلق فرصاً واعدةً لمستقبل البشرية عامة، وليس للنظام العالمي المأزوم فقط، لما تملكُه من قدراتٍ كبيرةٍ ومتزايدة. وعلى سبيل المثال، فقد ازدادت نسبةُ الناتج المحلي للمجموعة من 18% من إجمالي الناتج العالمي عام 2010 إلى ما يقرب من 30% حالياً، ووصل إسهامُها في حركة التجارة الدولية إلى نحو 66%، فضلاً عن القدرات الاستثمارية الضخمة لبعض دولها.
وإذا كان هذا هو حالُ البريكس، فمن المهم أن تطلق إدارةُ ترامب الثانية مبادرةً تفتحُ الباب لحوارٍ يمكنُ أن يبدد ما قد يقلقُ الولايات المتحدة، مثل سعي دول المجموعة إلى تقليل الاعتماد على الدولار كعملة تداول رئيسية في المبادلات التجارية، وأن يزيل في المقابل مخاوف عدد من هذه الدول من احتمال توسيع نطاق الإجراءات الحمائية التي بدأت واشنطن في اللجوء إليها منذ عام 2016. فالحوارُ البنّاء يمكنُ أن يقود إلى معالجة الأسباب التي دفعت واشنطن للجوء إلى إجراءاتٍ حمائيةٍ، وأن يؤدي في الوقت نفسه إلى صيغةٍ مُرضيةٍ للجميع بشأن العلاقة بين الدولار الأميركي والعملات المحلية لدول البريكس، وغيرها.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية