(10) تَلَذُّ لَهُ المُرُوءَةُ وهْيَ تُؤذِي * ومَنْ يَعْشَقْ يَلَذُّ لَهُ الغَرَامُ
تلذ: في القرآن الكريم: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. تَقُولُ: لَذَّ الشَّيْءُ يَلَذُّ لِذَاذًا، وَلَذَاذَةً، وَلَذِذْتُ بِالشَّيْءِ أَلَذُّ، أَيْ وَجَدْتُهُ لَذِيذاً.
المروءة: مأخوذة من المرء، كما أن الرجولة مأخوذة من الرجل. وتتحقق المروءة بفعل خير مكارم المرء.
قال الأحنف بن قيس: كنّا نعد المروءة، الصبر على كظم الغيظ، ومن لم يصبر على كلمة سمع كلمات.
فالمروءة بالمجمل: هي البعد عن كل رذيلة، والعمل بكل فضيلة.
وتؤذي المروءة صاحبها، بصعوباتها وعقباتها وتكاليفها، وهي مع ذلك كله، لذيذة عليه، كلذة العشق مع ما فيه من متاعب، عبرَّ عنها المتنبي، بقوله:
والعِشْقُ كَالمَعْشُوقِ يَعْذُبُ قُرْبُهُ * لِلْمُبْتَلَى ويَنَالُ مِن حَوبَائِهِ
(11) ومَا قَتَلَ الأحرَارَ كَالعَفْوِ عَنهُمُ * ومَنْ لَكَ بِالحُرِّ الذِي يَحْفَظُ اليَدَا؟
الأحرار: جمع حُر، ضد المملوك. والحُر من يتمتع بالحرية.
(وما قتل الأحرار): كأنك قتلته بالعفو عنه، لأنه سيتوقف عن محاربتك، كما لو قتل، حياء من إحسانك عليه بالعفو عنه.
(كالعفو): مثل العفو عنهم.
(ومن لك بالحر): أي من يضمن لك ويتكفل لك توفر هذا الحر الذي يحفظ الجميل ويذكر الفضل، بمعنى أن يحفظ فضلك عليه وإحسانك إليه بعفوك عنه. وهو تأكيد على قلة من يشكر فضل الإحسان.
(يحفظ اليدا): لأن عادة الإحسان أن يقدم باليد، قيل: يحفظ اليد، بمعنى يحفظ فضل الإحسان ويشكر الجميل ويتذكر بالامتنان ما قُدِّم له، وهو العفو عنه.
(12) إِذَا أَنتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ * وإِنْ أَنتَ أَكرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا
يقول: إذا أكرمت الكريم وأحسنت إليه، واستوجبت مُلكَهُ، لأنه يرتهن لفضلك وإكرامك.
وإذا أكرمت اللئيم كفر نعمتك، ولم يشكر إحسانك! وظن أنك أكرمته خوفاً منه، فتمرد بفعل الشر، لطبعه اللئيم.
إذا أنت أكرمت الكريم ارتهنت شكره، واستوجبت ملكه؛ لأنه يعترف بفضلك، ولا يدفع وجوب حقك، وإذا أنت أكرمت اللئيم زاد إكرامك له في تمرده، وأطغاه ما تحاوله من تألفه.
وما أجمل قول المهلب بن أبي صفرة:
«ليس للأحرار ثمن إلا الإكرام فأكرم حراً تملكه».
قال القاضي حسين بن محمد المهدي، في (صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال):
من اصطنع حراً استفاد شكراً، فالحر يحفظ الود والعهد، فهو لا يترك عهده لفقد النصرة، وعدم القدرة، أو الشعور بقوة الخصم، ولهذا قيل:
«خير الأموال ما استرق حراً، وخير الأعمال ما استحق شكراً»...
فالإحسان إلى الأحرار، يحفظ في قلوبهم، ويظهر في سلوكهم...
إن فقد الحر رزيئة، ورأس الفضائل اصطناع الأفاضل، ورأس الرذائل اصطناع الأراذل، ومن أعظم الفجائع إضاعة الصنائع، وهي لا تضيع إلا بإضاعتهم أو فقدهم، ويرحم الله الإمام الشافعي، حيث يقول:
لعمرك ما الرزيَّة هدمُ دار * ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزيَّة فقد حُرٍّ * يموت لموته خلق كثير