يبدو لي أن هناك في المنطقة العربية من يفضل التعامل مع الرئيس الأميركي القادم «دونالد ترامب» لكون هامش المفاجأة معه أقل من أي رئيس آخر، كما يوصف من قبل البعض بأنه صريح للغاية وليس لديه ما يخفيه ويتحدث بصراحة شديدة، ولذلك يمكن دائماً التوصل إلى اتفاق معه، وبعقلية رجل الأعمال الناجح يعلم أن العقد دائماً يجب أن تكون فيه منفعة للطرفين والاستمرار في الربح أهم من الكسب السريع لمرة واحدة.
وبعض الدول العربية باتت على دراية بالرئيس الأميركي المنتخب وفريقه وتربطهم به علاقات مميزة، تعود إلى فترته الرئاسية السابقة، وخلال الحملة الانتخابية أشار «ترامب» باستمرار إلى بعض الشخصيات العربية ووصفهم بأنهم أصدقاء وأثنى عليهم. ومن جانب آخر، أتوقع أن تكون لـ«ترامب» سياسة واضحة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية على وجه الخصوص والعربية على وجه العموم، ومن المتوقع أن يواصل «ترامب» هذه السياسة ويمتنع عن انتقاد الأنظمة في قضايا مختلفة يثيرها الإعلام الموجّه، ويرى الكثيرون من المحللين الاستراتيجيين أن ثقة بعض الدول المتزايدة في المنطقة ووكلائها - كما تجلى في الأحداث السابقة - مرتبطة بالموقف المتساهل نسبياً الذي اتخذته الولايات المتحدة تجاه تلك الكتلة.
بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى «ترامب» على أنه قادر على التأثير الكبير على «نتنياهو» لإنهاء الحرب حتى قبل بدء ولايته، ولكن ما سيحدث في الواقع هو أن تستمر الضربات الجوية الإسرائيلية وبصورة مكثفة وغير مسبوقة، ولن تتوقف لحين تسلم «ترامب» زمام الأمور في شهر يناير المقبل من سنة 2025، وتباعاً لذلك تعزيز حل الدولتين، وقد نشهد إعلان دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، ولكن دولة منزوعة الدسم ودون أنياب، وبمثابة أكبر معسكر اعتقال طوعي جماعي في تاريخ البشرية، وسوف يشجع «ترامب» الدول العربية على زيادة المساعدات المالية والإنسانية، ولكنه سوف يقاوم أي تدخل أميركي أعمق في حكم المنطقة أو مستقبلها الاقتصادي، خاصةً إذا كان ذلك يستلزم بناء سلطة فلسطينية ضعيفة لتولي وظيفة الحكم هناك على حساب رأس المال الدبلوماسي والمالي الأميركي، ويعتقد أن «ترامب» ليس لديه أي اهتمام يذكر بالحكم الفلسطيني في حد ذاته.
فهل ستؤدي سياسات «ترامب» إلى إنهاء القتال في غزة ولبنان والمساهمة في التعافي الاقتصادي، خاصةً في قطاع النفط، ولا سيما أنه سيعمل على استكمال مشروعه لتكون هناك المزيد من اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط؟
ومن المتوقع أن يواصل «ترامب» نهجه القائم على المعاملات التجارية مع دول المنطقة، مع التركيز على مبيعات الأسلحة والصفقات التجارية والتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وسوف يكون العبء متمثلاً في ضمان التزام «ترامب» الراسخ بأمن المنطقة، وستستثمر الاقتصادات الكبرى في المنطقة بنشاط في التكنولوجيا المتقدمة للغاية والانفتاح على الآخر، والابتعاد عن اعتمادها التاريخي على عائدات النفط والغاز، ولكن في حال فرض تعريفات جمركية عالية من قبل «ترامب» على الواردات والتي يشاع أنها قد تبلغ حوالي 10%، فإن ذلك قد يؤدي إلى تأجيج التضخم وهبوط في النمو الاقتصادي، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد الأميركي ويمتد إلى دول الخليج، التي كثيراً ما تتماشى سياساتها النقدية مع الاتجاهات الأميركية بسبب ربط العملات، مما قد يضطرها إلى إيجاد حلول مبتكرة لن تعجب الولايات المتحدة كثيراً ولكنها قد تحقق لها التوازن المطلوب، وتحقيق السيادة الاقتصادية، وتوسيع دائرة تأمين المنطقة من اللاعبين الكبار الآخرين في الساحة الدولية التواقين لذلك التعاون فعلياً.
بالتالي، سيسعى «ترامب» لا محالة إلى إعادة تقييم المصالح الأميركية جنباً إلى جنب مع تطلعات دول الخليج الأمنية، مع تباطؤ محتمل للنمو في المنطقة في ظل ولاية «ترامب» بنحو 0.2%، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الديناميكيات الخارجية مثل حرب غزة وثقلها الإجمالي على الاقتصادات الإقليمية، وبالتالي العودة إلى طاولة مناقشات سلامة وانسيابية التجارة واستراتيجيات الدفاع لتكون في طليعة أجندات السياسة الإقليمية.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات