فاز دونالد ترامب بانتخابات عام 2024 فوزاً مريحاً، واحتفظ بالأغلبية في مجلس الشيوخ، وبات من المستحيل - ساعة كتابة هذه السطور - أن يحصل الحزب الديمقراطي على الأغلبية المطلقة في مجلس النواب، وبالتالي أصبحت لترامب اليد المطلقة في السياسة الأميركية. وتهتم هذه المقالة بوعوده على الصعيد الخارجي، وبالذات تلك المتعلقة بإنهاء الحروب، وتناقش احتمالات وكيفية تنفيذه لوعوده في حالة حرب أوكرانيا، وقد كان يردد دائماً أنه لو كان في سدة الرئاسة لما نشبت الحرب، وأنه قادر على إنهائها حال فوزه، فهل يفعلها وقد توفرت لديه القدرة على ذلك؟
يرى البعض أن المسألة سهلة، فليس عليه سوى وقف الدعم لأوكرانيا، وحينئذ ستنتهي الحرب فوراً. لكن المسألة ليست بهذه البساطة، بمعنى أن ثمة مهام معقدة تنتظر وضع سيناريو النهاية وإخراجه. وهناك أولا روسيا التي تسيطر حالياً على مناطق عدة، وتشترط في أي تفاوض لإنهاء الحرب أن ينطلق من الحقائق على الأرض، أي أنها لا تنوي الانسحاب من الأراضي التي ضمتها بالفعل، وبالتالي سيكون من المطلوب إيجاد تبرير لهذا الوضع. والحجة الروسية أن هذه الأراضي روسية، ويعيش عليها سكان روس يتحدثون اللغةَ الروسية.. فهل يطرح ترامب مثلا فكرةَ استفتاء هؤلاء السكان التي كان الملياردير إيلون ماسك قد طرحها، لمعرفة ما إذا كانوا يريدون البقاء تحت الحكم الروسي أم العودة لسيادة أوكرانيا. والمشكلة أن روسيا قد ترفض فكرة هذا الاستفتاء.
ثم هناك ثانياً أن هذه الفكرة سوف تحدِث ارتباكاً شديداً في الاتحاد الأوروبي الذي انخرط على نحو غير مباشر في الحرب، إما إيماناً بخطر انتصار روسيا على الأمن الأوربي، أو انسياقاً وراء السياسة الأميركية. وقد يواجه ترامب حال وجود معارضة أوروبية حقيقية لنهجه الجديد ارتباكاً في علاقته بأوروبا أغلب الظن أنه لن يأبه له، خاصة أن بعض الدول الأوروبية قد تضررت من الحرب، وبالتالي ستسعد بانتهائها. وفي كل الأحوال فإن النهج الجديد لترامب تجاه الحرب وتجاهله أوروبا سوف يكون عاملا جديداً لإحياء النزعة الاستقلالية الأوروبية عن الولايات المتحدة، وهو أمر قد لا يهتم به ترامب أيضاً، لكن انعكاسه على المكانة الأميركية يجب أن يكون موضع اهتمام على الأقل من قِبَل النخبة في واشنطن.
وهناك ثالثاً ما طرحه البعض مِن أنَّ توجه ترامب لإنهاء الحرب سيتعارض مع مصالح المجمّع الصناعي العسكري ذي النفوذ القوي على السياسة الأميركية، وبالتالي قد يكون هذا مصدراً لتحفظات أو اعتراضات من لوبي صناعة السلاح الأميركي لا يمكن الآن تقدير تأثيرها على وضع أفكار ترامب بخصوص إنهاء الحرب موضع التنفيذ.
وهناك رابعاً أن زيلينسكي سيفعل المستحيل لإقناع ترامب بالعدول عن التوجه نحو إنهاء الحرب على نحو يضمن الحفاظ على الإنجازات الروسية، وقد ينجح بالتعاون مع حلفاء أوروبيين في التأثير عليه لتغيير جزئية هنا وأخرى هناك في خطته، بما يخلق موقفاً روسياً معارضاً يزيد من تعقّد معادلات التسوية.
وتبقى أخيراً المهمة الصعبة لتحديد الضمانات والمغريات التي ستُعرض على أوكرانيا للقبول بتسوية تضمن أمنَها وتكون مقبولة من روسيا في الوقت ذاتها، اللهم إلا إذا كانت التسوية ستُفرض عليها فرضاً. والخلاصة أن حديث الحملات الانتخابية شيء ووضعه موضع التطبيق شيء آخر.

*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة