بعد أن حقق الرئيس السابق دونالد ترامب فوزاً ساحقاً في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة على منافسته «الديمقراطية» كمالا هاريس، وصف المراقبون ما جرى بأنه زلزال سياسي كبير سيلقي بظلاله على العالم. فبعد أربعة أعوام يعود ترامب إلى الحكم ليكون الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية. وقد اعتبرت تلك العودة إنجازاً تاريخياً لم يتحقق منذ 136 عاماً، ذلك أنه سيكون ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة بعد غروفر كليفلاند يعود إلى الرئاسة على مرحلتين.
الولايات المتحدة الأميركية حتى اليوم، وباعتبارها قوة عظمى تمتلك نفوذاً وحضوراً دولياً بارزاً يجعلها قادرة على إدارة الصراعات ووقفها، ومع ذلك ثمة تكهنات وتساؤلات حول عودة ترامب إلى الحكم داخل الولايات المتحدة، وحتى بالنسبة للعواصم الكبرى كلندن وباريس اللتين لم تستطيعا إخفاء قلقهما من عودته. ومن بين ما يُطرح داخلياً، هل سينتقم الرئيس الجديد من خصومه الذين ناصبوه العداء وتسببوا في إدانته بقضايا جنائية، أم أنه سيكون أكثر هدوء في تعامله مع القضايا والملفات الساخنة التي تنتظره؟ وهل سيتمكن من الإيفاء بالوعود التي قطعها للناخبين؟ أما على الصعيد الخارجي، فكيف سيتعامل مع ملفي الحرب على غزة ولبنان ثم تنفيذ حل الدولتين؟ وهل سيصل إلى صيغة لوقف الحرب الروسية – الأوكرانية؟ مع العلم أن زيلينسكي - وبعد تواصله مؤخراً مع ترامب - بشر الجميع مبدئياً بالموقف الإيجابي للرئيس المنتخب من قضية بلاده وحربها مع الروس، على الرغم من موقفه المعروف من استمرار دعم كييف في مواجهة موسكو وانعكاس ذلك على العالم وعلى مستقبل حلف «الناتو» ذاته.
في عام 2016، وعندما فاز ترامب بالرئاسة كرر معارضوه «الديمقراطيون» أن فوزه كان مجرّد ضربة حظ، لكن المشهد اليوم يؤكد عكس ذلك تماماً، الأمر الذي دفع البعض للقول إن عودته للبيت الأبيض - وحسب تعبيرهم - هي «الأعظم» في تاريخ الولايات المتحدة الحديث بعد أن كان مثقلاً بالقضايا، وخسر على إثرها سباق تجديد ولايته الأولى.
لقد نجح ترامب في رهانه بالعودة إلى البيت الأبيض بعد فوزه بـ279 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 223 صوتاً لهاريس، كما فاز بالتصويت الشعبي، وهي المرة الأولى التي يحقق فيها «جمهوري» فوزاً بكافة الأرقام المرتبطة بالانتخابات على مستوى البلاد، وما لم يحدث منذ عهد بوش الابن، أي قبل 20 عاماً.
واللافت أن الناخب الأميركي في هذه الانتخابات لم يكترث كثيراً للغط الكثير الذي أُثير حول ترامب والقضايا المرفوعة ضده، بما في ذلك التحقيق الذي أجراه المحقق الخاص جاك سميث بشأن مساعيه المفترضة لقلب نتائج انتخابات 2020، واتهامه بسوء التعامل مع وثائق سرية للغاية عندما كان خارج السلطة، كما لم تهتز صورته بعد التصويت لصالح عزله مرّتين في ولايته الأولى.
إن مكاسب الرئيس العائد إلى موقعه جاءت بالجملة في سيناريو ربما يفوق حتى توقعاته الشخصية، وبأكثر مما كان يحلم ويتمنى، حيث سيسيطر «الجمهوريون» بالأغلبية خلال فترة رئاسته على كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ما يعني أنه سيمتلك صلاحيات غير مسبوقة، وستكون لديه فرصة لم تتوافر منذ زمن بعيد لرئيس أميركي، وحينها سيتمكن من تنفيذ برنامجه الانتخابي من دون عراقيل أو عقبات تذكر كما يُتوقع. غير أن الاختبار الداخلي الذي سيواجه ترامب هو قدرته على تخفيض حدة التضخم وتحقيق نمو اقتصادي قوي، وهو ما يهم الأميركيين أولاً، وذلك بتحويل شعاره (أن نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) واقعاً ملموساً من خلال جذب المستشارين وضخ المليارات لخلق فرص عمل وإنعاش الاقتصاد كما وعد.