الناخبون في الولايات المتحدة قالوا كلمتهم واختاروا من سيقودهم خلال السنوات الأربع المقبلة. هذا الشخص هو دونالد ترامب، الذي سيصبح بذلك أول رئيس أميركي منذ القرن التاسع عشر يُعاد انتخابه لولاية ثانية بعد أن مُني بالهزيمة في المرة السابقة.
الانتصار الذي حققه عريض ولا جدال فيه، على اعتبار أنه لم يفز بأصوات «الناخبين الكبار» فحسب، وإنما فاز أيضاً في التصويت الشعبي، على عكس ما حدث في 2016. في أوروبا، هناك قلق كبير، والسؤال الذي يتردد كثيراً هو: ماذا سيحدث؟ هل سيستمر ويصمد التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا بعد عودة ترامب إلى السلطة؟
دونالد ترامب كان قد هدد بإنهاء حلف «الناتو»، وهو احتمال يقض مضجع الأوروبيين. غير أن الأمر يتعلق في الحقيقة بابتزاز هدفه حثّ الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف على الالتزام بشكل أكبر بالدفاع عن أنفسهم، من خلال إنفاق المزيد من الأموال، وخاصةً من خلال شراء كميات أكبر من المعدات العسكرية الأميركية، وقبول الحواجز الجمركية التي سيفرضها دونالد ترامب، ذلك أن أولويته هي تقويم عجز الميزان التجاري الأميركي. وبخصوص الملف الأوكراني، هل سيذهب دونالد ترامب إلى حد التخلي عن أوكرانيا؟
الواقع أن هذا الأمر محتمل جداً، إذ سبق لترامب أن قال، إنه سينهي الحرب في غضون 24 ساعة، وهو ما يعني إنهاء المساعدات العسكرية لكييف. وهذا يعني نهاية سريعة جدا للقتال، لأن الاتحاد الأوروبي وحده لا يستطيع الاستمرار في دعم كييف. الأمر الذي من شأنه أن يدفع أوكرانيا إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
واللافت هنا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه استشرف هذه الإمكانية على اعتبار أنه أخذ يتحدث عن المفاوضات منذ بضعة أسابيع، وهي إمكانية كان يرفض التطرق إليه في السابق. وبالتالي، فإن انتخاب دونالد ترامب سيعني نهاية فورية للحرب، في حين كان انتخاب كامالا هاريس سيعني نهاية تدريجية لها.
وعلى أي حال، فإن الأميركيين سئموا من الاضطرار لدعم حرب لا نهاية لها في الأفق، وخاصة وأن روسيا مستمرة في قضم الأراضي الأوكرانية على الرغم من حجم المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة والدول الأوروبية لأوكرانيا. أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فهناك إجماع من الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» على دعم إسرائيل بشكل غير مشروط. صحيح أن جو بايدن نجح في حمل إسرائيل على الإحجام على قصف المنشآت النفطية والنووية الإيرانية. ولكن هل سيسمح لها دونالد ترامب بذلك؟
الواقع أن ترامب ليست لديه أي مصلحة في التسبب في أزمة اقتصادية عالمية يصل فيها سعر النفط إلى 150 أو 200 دولار للبرميل. والأكيد أن بنيامين نتنياهو كان يأمل في فوز ترامب. ذلك أن من شأن وصوله إلى البيت الأبيض أن يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي هامش مناورة أكبر ودعماً غير مشروط. أما الصين، فإن «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» على حد سواء ينظرون إليها باعتبارها تهديداً، فهم يرونها ترغب في انتزاع موقع الزعامة العالمية الذي تحتله الولايات المتحدة حالياً، والذي لا تريد هذه الأخيرة التخلي عنه.
ولهذا، فإن التنافس بين بكين وواشنطن سيظل الاتجاه الغالب في السياسة الخارجية الأميركية. والراجح أن إيلون ماسك، الذي دعم المرشح «الجمهوري» بقوة وصخب، لديه مصالح اقتصادية قوية في الصين. وبالمقابل، يُتوقع أن يكون دونالد ترامب أكثر عدوانية تجاه النظام متعدد الأطراف، ومع الأمم المتحدة ووكالات الأمم المتحدة المختلفة، ولا سيما فيما يتعلق بقضايا المناخ.
الولايات المتحدة وأوروبا في حالة تنافس اقتصادي حالياً ومن المتوقع أن تظلا كذلك. وفي كل الأحوال، يتعين على الاتحاد الأوروبي حماية نفسه. والسيناريو الأفضل هو أن يكفّ عن السماح بترك مصيره مرهوناً بالقرارات المتغيرة لبضعة آلاف من الناخبين كل 4 سنوات في ولاية متأرجحة في الولايات المتحدة. ولكنه لا يفعل ذلك، إذ ما زالت غالبية الأوروبيين مقتنعين بأنهم في حاجة إلى ضمانة أميركية لمواجهة التهديدات. والمشكلة هي أن الدولتين اللتين يمكن أن تكونا القوةَ الدافعة لاستقلاليةٍ استراتيجية أوروبية باتتا اليوم في موقف ضعف لأسباب سياسية داخلية، وهما فرنسا وألمانيا.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس