فيما يؤكد الميزة الاستراتيجية لقطاع الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة في تأمين مستقبل الذكاء الاصطناعي، أكد معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، والعضو المنتدب والرئيس التنفيذي لأدنوك ومجموعة شركاتها، خلال كلمته الافتتاحية ضمن النسخة الأربعين من معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول (أديبك 2024)، أن الاحتياجات من الطاقة ستتضاعف مع استمرار نمو الذكاء الاصطناعي ومراكز بياناته، وأن نوعاً واحداً من مصادر الطاقة لن يكون قادراً على تأمين جميع الاحتياجات المطلوبة، وهو ما يفرض اللجوء إلى مزيج من هذه المصادر، تشمل الطاقة المتجددة والنووية، إضافة إلى مواصلة الاعتماد على مصادر النفط والغاز خالية الانبعاثات، كأمورٍ تعكس جميعها ميزة التنوُّع الذي تمتلكه الإمارات في مصادر الطاقة، والتي يمكن معها تلبية احتياجات الذكاء الاصطناعي وتحقيق الطموحات الوطنية في التنافس عالميًّا في مجالاته.
ولعل خير دليل على قيمة الطاقة في تأمين مستقبل الذكاء الاصطناعي، الاستثمارات الضخمة التي قامت بها أخيراً شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل «أمازون»، و«جوجل»، و«مايكروسوفت»، و«أوراكل»، و«أوبن إيه آي»، في شركات الطاقة النووية الناشئة، مثل «كيريوس»، و«أوكلو»، و«إكس إينرجي». وفي هذا الواقع الجديد، فإن الطاقة لم تعد مجرد موردٍ يمدُّ الذكاء الاصطناعي بالكهرباء، بل شريان حياة يغذِّي نماذجه وخوارزمياته بما تحتاجه للاستمرار في تقديم التحليلات التنبؤية، ونمذجة البيانات المتقدمة، واقتراح الحلول المبتكرة، وضمن مختلف المجالات الحيوية التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر، تغيُّر المناخ والتصنيع المتقدِّم والرعاية الصحية.
ومع وقوف العالم على أعتاب تحولاتٍ غير مسبوقة مع الذكاء الاصطناعي، فإنه بات من المهم التأكيد على أهمية الطاقة كمحرِّك دافع لتطوُّر هذه التكنولوجيا، والتي توازي في الشأن والتأثير ما يتعلق بالابتكار في نماذجه. وتصبح قيمة الطاقة في فرض الحضور العالمي في التكنولوجيا الذكية مُعادلةً لا يمكن إنكار وزنها، وتظهر بالتالي حقيقة أن من يتحكم في مصادر الطاقة سيكون قادراً على التأثير في مستقبل الذكاء الاصطناعي.
وفي ظل الارتباط الوثيق بين مستقبل الذكاء الاصطناعي ومستقبل الطاقة، لا بد من التأكيد في هذا المجال أن لدولة الإمارات العربية المتحدة خصوصية عند مقارنتها بغيرها من الدول، فالمجالان يحظيان باهتمام القيادة الرشيدة، وتتمتع الدولة ببُنية تحتية للطاقة مصممة بعناية وتتطور باستمرار، إضافةً إلى وجود بنية رقمية متقدمة قلَّ مثيلها في المنطقة والعالم، وهي سماتٌ لا تؤهِّل دولة الإمارات لمواكبة التقدُّم في الذكاء الاصطناعي فقط، بل قيادة الجهود الدولية في وضع مساراته وتوجهاته المستقبلية.
ومع الإقرار بأهمية الذكاء الاصطناعي في تشكيل صناعات الغد، فإن جهود دولة الإمارات في التقدُّم بمصادر الطاقة على اختلاف أنواعها تظهر بالفعل كاستثمار استراتيجي، وسعي استباقي لامتلاك مفاتيح النجاح في تشكيل الاقتصاد الذكي. ولعله من المهم الإشارة إلى حقيقة أن جهود الدولة في الربط بين الذكاء الاصطناعي والطاقة لا تأتي في نطاق سباقٍ مع غيرها من الدول، بقدر ما هي تأكيد للقوة المؤثرة التي تحظى بها الإمارات عالميّاً في موضوعات هذه التكنولوجيا واتجاهاتها.
وفي ضوء استمرار تزايد طلب الذكاء الاصطناعي على الكهرباء، فإن الدول التي تتحكم في الطاقة ستكون هي من يكتب في الغالب قواعد هذا الطلب. وعلى الرغم من أن امتلاك الدول لوفرةٍ في الطاقة مهم بالتأكيد، إلا أن دولة الإمارات تثبت بما تمتلكه من رؤية استشرافية بأن الذكاء وليس الوفرة هو أهم الموارد وأكثرها تأثيراً في صناعة عالم المستقبل، فدولة الإمارات بما لديها من احتياطيات هائلة من مصادر الطاقة في وضع يؤهلها تماماً للتأثير في الطلب العالمي على الطاقة، ولكنها لن تكتفي بهذا فحسب، بل ستحدد مع عدد قليل من الدول، وتيرة التقدُّم العالمي في الذكاء الاصطناعي وكتابة مساراته المستقبلية.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية