في معظم استطلاعات الرأي التي تطلب من الناخبين ذكر القضايا التي ستؤثِّر على اختيارهم في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا الأسبوع، لا تحتل السياسة الخارجية الصدارة. هذا في حين يتصدر القائمةَ الاقتصاد والهجرة والحقوق الإنجابية والتهديدات التي تواجه الديمقراطية.
غير أنه في الوقت نفسه، تُظهر بعض استطلاعات الرأي، مثل التقييم السنوي للرأي العام والسياسة الخارجية الذي يصدر عن «مجلس شيكاغو للشؤون العالمية»، أن الأميركيين ما زالوا يرغبون في رؤية الولايات المتحدة تلعب دوراً قيادياً في الشؤون الدولية. وعلاوة على ذلك، يشير بعض الناخبين إلى أن رؤية المرشح للعالم وأفعاله على الساحة العالمية توفّر مؤشراً على شخصيته وأسلوبه القيادي، وعلى ما إن كان ذلك يتناسب مع رؤيته الخاصة للكيفية التي ينبغي أن تمارس بها القيادة الأميركية.
وبالنظر إلى الأمور عبر هذا المنظور، يبدو أن نائبة الرئيس كمالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب يقدّمان رؤيتين مختلفتين للسياسة الخارجية تنبع من رؤى مختلفة تماماً للعالم.
ففي حالة نائبة الرئيس هاريس، يستخدم مجموعة من خبراء السياسة الخارجية الكلمات أو العبارات التالية لوصف رؤيتها للعالم: تعددية الأطراف، أو التعاون، أو الأمن من خلال التحالفات، أو الاستمرارية، أو «بايدن لايت» (نسخة ملطفة من سياسات بايدن). ولكن كلمات مثل «غامضة» و«غير محددة» تظهر أيضاً.
أما الكلمات والعبارات التي يقول هؤلاء الخبراء إنها تجسِّد رؤية الرئيس الأميركي السابق ترامب للعالم، فتستند إلى فترة رئاسته، وهي كالتالي: أحادي الجانب، «أميركا أولاً»، رجل صفقات. ولكن القائمة تشمل أيضاً عبارات وكلمات «فوضوي» و«لا يمكن التنبؤ به» - وحتى «متقلب» و«خطير».
وبالنسبة للعديد من المحللين، يمكن تلخيص الفرق الأكبر بين المرشحين الرئاسيين في ما يتعلق بعلاقات الولايات المتحدة مع العالم في كلمتين: متعددة الأطراف وأحادية الجانب.
وبشكل أوسع، يُنظر إلى نائبة الرئيس هاريس على أنها مدافعة عن الدور التقليدي لأميركا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، دور يقود تحالفات تضم دولا ديمقراطية ذات رؤى متشابهة - مثل حلف الناتو ومنظمة الدول الأميركية والحوار الأمني رباعي الأطراف أو «الرباعي» في آسيا والمحيط الهادي - ويعزز النظامَ العالمي الليبرالي لمرحلة ما بعد الحرب.
وبالمقابل، كوّن الرئيس ترامب سجلاً من الازدراء للتحالفات الأميركية. ويُنظر إليه على أنه أكثر ارتياحاً لفكرة ولايات متحدة تدافع عن مصالحها الخاصة في عصر يتميز بتصاعد المنافسة بين القوى الكبرى.
وفي هذا الصدد، تقول كوري شاكي، مديرة دراسات السياسات الخارجية والدفاعية في معهد «أميركان إنتربرايز» المحافظ في واشنطن: «لسنا متأكدين تماماً، ولكنني أعتقد أن هاريس ستكون أكثر ميلاً إلى استثمار الموارد الأميركية إذا وجدت الدعم لدى الحلفاء والمؤسسات الدولية».
وأضافت: «من المرجح أن يكون ترامب أكثر ارتياحاً للعمل الأحادي الجانب، في حين أن هاريس لن تكون مستعدة لاتخاذ موقف لا يحظى بتأييد أي أحد».
تحت مسألة «الأحادية مقابل تعددية الأطراف» تكمن وجهات نظر مختلفة حول تكاليف الحفاظ على الدور القيادي لواشنطن في العالم وفوائده. وفي هذا الصدد، يقول بول سوندرز، رئيس «مركز ناشيونال إنترست» في واشنطن: «لقد اعتاد الأميركيون على أن يسمعوا أن أعمالنا العسكرية في الصومال أو العراق أو ليبيا كانت جزءاً من قيادتنا العالمية». ولكنه يضيف أن ترامب استفاد من شعور متزايد بين الأميركيين بأن تكاليف تلك القيادة باتت تفوق فوائدها بشكل متزايد.
ويقول سوندرز: إن نائبة الرئيس هاريس ستلتزم بسياسة خارجية وأسلوب قيادة تقليدي ستتشاور فيه مع مساعديها وحلفائها الأجانب. وبالمقابل، يتوقع سوندرز أن يعتمد ترامب بشكل أكبر على إحساسه الخاص وطموحه في إبرام الصفقات، على الرغم من أن«سجله متباين جدا في ما يتعلق بالسياسة الخارجية».
تقييمه السريع للرئيس ترامب: النجاح في الحصول على الاتفاقات الإبراهيمية التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، والنجاح في إعادة صياغة وتحديث متواضعين للاتفاقية التجارية لأميركا الشمالية، التي كانت تسمى آنذاك «نافتا».
ويضيف سوندرز: «غير أنه لم يكن هناك أي «شيء ذي بال» مع روسيا أو كوريا الشمالية أو إيران، كما لم يكن هناك أي اتفاق مع بكين التزم به الصينيون».
وبصفتها نائبة للرئيس، لم تكن هاريس حرة في اتباع مسار خاص بها في السياسة الخارجية. ويقول بعض الخبراء إنها ستعمل على الأرجح على تمييز نفسها عن الرئيس بايدن في العلاقات مع إسرائيل، حيث ستُظهر استعدادها للوقوف في وجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل أسرع وأكثر علانية.
بيد أن أوضح الاختلافات بين المرشحين الرئاسيين من المرجح أن تكون حول أوكرانيا. فقد وصفت المرشحة هاريس الحرب الروسية الأوكرانية بنفس العبارات التي استخدمتها إدارة بايدن، إذ وصفته بأنه انتهاك للقانون الدولي وتهديد للأمن والديمقراطية الأوروبية. وكررت تعهد الرئيس بايدن بـ «الدعم مهما استغرق ذلك».
وبالمقابل، شدد ترامب على أنه قادر على إنهاء الحرب في يوم واحد، معتمداً في ذلك جزئياً على علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وإذا كان الرئيس الأميركي السابق لم يقدّم أي تفاصيل بشأن الطريقة التي يعتزم بها التوصل لاتفاق سلام، فإن بعض مساعديه السابقين يقولون إن اتفاقه سيعني تنازلات إقليمية كبيرة من قبل أوكرانيا - مع عدم الاكتراث للطريقة التي سيستقبل بها الحلفاء الأوروبيون ذلك.
وفي هذا السياق، يقول مايكل ديش، مدير«مركز نوتردام للأمن الدولي» في إنديانا: «ستواصل هاريس تبني إجماع المؤسسة بشأن دعم (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي والأوكرانيين.
«ولكن ترامب قصة مختلفة. ذلك أنه غير ملتزم بمساعدة أوكرانيا، ونحن نعلم أنه من المشككين في حلف الناتو»، يضيف ديش، «ويعتقد أنه يستطيع عقد صفقة مع فلاديمير بوتين».
وهناك أسباب وجيهة للشك في احتمال وجود وصفة سحرية قادرة على إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا بسرعة، يقول ديش. ولكنه في الوقت نفسه يقول إن الكثير من الأمور المتعلقة بمقاربة ترامب في السياسة الخارجية قد تتناسب بشكل أفضل مع عالم اليوم من نهج هاريس إذ يقول: «إن جزءاً كبيراً من تركيز المؤسسة الحاكمة على القيادة الأميركية هو حنين إلى لحظة الأحادية القطبية التي ولت». ومن ناحية أخرى، يرى ديش أن ترامب أكثر ارتياحاً لعالم «أشبه بأوروبا في أواخر القرن التاسع عشر».
ويقول ديش: «إن أميركا ما زالت قوة عظمى»، مضيفاً: «ولكن هناك قوى عظمى أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان، مثل الصين وروسيا».
كوري شاكي، خبيرة السياسة الخارجية في معهد «أميركان إنتربرايز»، تقول إنه لا ينبغي لأحد أن يشك في أن الولايات المتحدة في حاجة إلى قائد قوي لتحقيق المصالح الوطنية الأساسية في عالم ما زال مترابطاً جداً. ولكنها تشعر بالقلق من النبرة الاستبدادية لبعض تصريحات ترامب إذ تقول: «إن الكثير من زملائي الجمهوريين الذين ينحازون إلى ترامب على مضض يعترفون بأن الأمور التي يقولها فظيعة»، مضيفة: «ولكنهم يقولون: «انظروا إلى ما يفعله، ولا تستمعوا إلى ما يقوله».
ورداً على ذلك، تقول شاكي إنها تقول لهم: «إنكم تقولون دائماً إنه يجب أن نأخذ بكلام بوتين و(الزعيم الصيني) شي جين بينغ. فكيف يكون من الحكمة أن نتجاهل كلام دونالد ترامب؟».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»