لم يكن المال الكبير أكثر هيمنة وجرأة، كما هو في انتخابات 2024 الرئاسية، وقد يؤدي الفشل في كبحه إلى ترسيخ التأثير الهائل الذي يمتلكه الأثرياء على نظامنا السياسي. من المتوقع أن تكون هذه الدورة الانتخابية هي الأكثر تكلفة في التاريخ، حيث يُقدّر الإنفاق على السباقات الرئاسية، وانتخابات الكونجرس بنحو 16 مليار دولار. ومن المتوقع أن يتجاوز الإنفاق المقدم من القطاع الخاص (الذي يسمى أموالاً خارجية) وحده 5 مليارات دولار، وهو أعلى بكثير من الـ1.6 مليار دولار التي أنفقتها المجموعات الخارجية في عام 2020.
وقد تفاقمت مشكلة المانحين الكبار الذين يؤدون دوراً ضخماً في الانتخابات في وقت سابق من هذا العام عندما ألغت لجنة الانتخابات الفيدرالية الحظر المفروض على تنسيق المرشحين مع المجموعات الخارجية مثل لجان العمل السياسي «سوبر باك»، والتي يمكنها جمع وإنفاق أموال غير محدودة.
لم يكن الحظر فعالاً إلى حد كبير من الأساس، لكنه وفر بعض الضوابط التي منعت المرشحين من استغلال أموال القطاع الخاص والتحكم بها بالكامل. الآن، يمكن للمرشحين التنسيق بحرية مع لجان العمل السياسي المستقلة بشأن النفقات مثل عمليات الحشد، مثل الزيارات الميدانية، والتواصل، وقوائم الناخبين، وتوفير المساحات المكتبية، وغيرها.
هذا التغيير كان مفيداً لدونالد ترامب، الذي تفوقت عليه نائبة الرئيس كامالا هاريس فيما يتعلق بالتبرعات الصغيرة. على سبيل المثال، قال الناشط المحافظ «تشارلي كيرك» ومجموعة «تيرنينج أكشن بوينت» Turning Point Action التابعة له إنهم يعتزمون إنفاق 108 ملايين دولار على إقبال الناخبين في أريزونا وويسكونسن وميتشيجان - الولايات التي هزم فيها الرئيس جو بايدن ترامب في عام 2020.
يعتمد ترامب بشكل كبير على التبرعات من المليارديرات، والتي تشكل نحو ثلث رأس المال التمويلي الخاص به. وهذا يمنح مجموعة صغيرة من الداعمين الأثرياء للغاية نفوذاً استثنائيا محتملا على الرئيس السابق.
في حين أن هاريس لديها مانحون مليارديرات أكثر من ترامب، فإن حملتها تعتمد عليهم بشكل أقل بكثير. يشكل هؤلاء المتبرعون الكبار، ومن بينهم مايكل آر بلومبرج، 6% فقط من إجمالي تمويلها.
تقول منظمات مراقبة الانتخابات، إنه مع سعي ترامب لاستمالة هؤلاء المتبرعين الكبار، فإنهم يرون علامات تشير إلى أنه قد يعدهم بتغييرات تنظيمية، وغيرها من التغييرات السياسية في مقابل دعمهم.
قال سكوت ريد، وهو مستشار «جمهوري» قديم واستراتيجي سابق في غرفة التجارة الأميركية، «كان ترامب أول رئيس يعمل بطريقة المعاملات التجارية. وهو الآن أخذ ذلك إلى مستوى جديد».
كانت البروفة لما يمكن توقعه في هذه الدورة في عام 2017 عندما أفادت صحيفة بوليتيكو بأن ترامب «قام بتعيين عدد من أغنى أصدقائه وحلفائه في وظائف غير مدفوعة الأجر، ولكن ذات أهمية، حيث تكون مسؤولياتهم غير واضحة، لكن سلطتهم قد تكون هائلة».
هذه المرة، يقف إلى جانب ترامب أغنى رجل في العالم. تبرع الملياردير والمستثمر ورجل الأعمال إيلون ماسك بمبلغ لا يقل عن 132 مليون دولار لترامب وحلفائه، ويبدو أنه يعتبر نفسه شريكاً نوعاً ما للرئيس السابق. وقد تدخل ماسك في السباق الرئاسي بطرق غير مسبوقة بالنسبة لمتبرع. فقد أنشأ ماسك لجنة العمل السياسي الأميركية المؤيدة لترامب «أميركا باك»، والتي استعان بها ترامب بمعظم أعماله. وهو يرافق ترامب في تجمعاته، وغالباً ما يروّج لقبعاته السوداء التي تحمل شعار «ماجا».
كما اخترع يانصيباً جديداً - وربما غير قانوني - من خلال لجنة العمل السياسي الخاصة به، حيث يقدم جائزة بقيمة مليون دولار يوميا حتى 5 نوفمبر لناخب مسجل يوقع على عريضة لدعم الدستور. ولكي يكونوا مؤهلين للفوز، يجب على المشاركين تقديم معلومات تعريف شخصية مثل العناوين وأرقام الهواتف، وقد أثارت هذه الهدايا تحذيرات من وزارة العدل. 
إن دفع المال لشخص ما للتسجيل للتصويت أمر غير قانوني، وهذا «اليانصيب» متاح فقط في الولايات السبع المتأرجحة. وقد ظهر العديد من الفائزين في مقاطع فيديو تدعم ترامب.
وصرح ترامب أنه يعتزم استحداث منصب جديد غير وزاري لـ«وزير تخفيض التكاليف» لماسك إذا عاد إلى البيت الأبيض. سيتم منح ماسك حرية واسعة بشأن مسائل الميزانية، وقد أعلن بالفعل عن أنه سيخفض تريليوني دولار من الميزانية - وهي خطوة يعترف بأنها قد تقلب الاقتصاد الأميركي. ولم يعترض ترامب على الاقتراح.
بالإضافة إلى ماسك، نجح ترامب في استقطاب قادة في صناعات مختلفة، بما في ذلك صناعة السجائر الإلكترونية والعملات المشفرة والنفط. وكان صريحاً بشكل غير عادي بشأن ما قد يصفه الكثيرون بالعلاقات القائمة على المقايضة مع هؤلاء الأفراد.
في أبريل، استضاف ترامب عشاءً لكبار المسؤولين التنفيذيين وجماعات الضغط في صناعات الطاقة والنفط، حيث تلا سلسلة من الوعود متبوعة بطلب مذهل: على الضيوف التبرع بمليار دولار لحملته.
وفي مايو، ذكرت بوليتيكو أن المسؤولين التنفيذيين في صناعة النفط، كانوا يصوغون أوامر تنفيذية لترامب للتوقيع عليها.
كان ترامب قد وصف العملات المشفرة بأنها «احتيال»، لأنها تنافس الدولار. كان ذلك في عام 2021. بحلول يوليو، كان هو المتحدث الرئيس في مؤتمر الصناعة في ناشفيل، واعداً بأن الولايات المتحدة ستكون «عاصمة العملات المشفرة على الكوكب وقوة عظمى في مجال البيتكوين». منذ يونيو، قدمت صناعة العملات المشفرة 7.5 مليون دولار للجان المؤيدة لترامب. وبرزت منصات «كوينبيس» و«ريبل» (لتعاملات العملات المشفرة) كقوى في هذه الانتخابات، حيث تبرع كل منهما بمبلغ 50 مليون دولار لسباقات مهمة في مجلسي النواب والشيوخ، بينما تبرعت الصناعة بشكل عام بنحو 120 مليون دولار.
إن أموال القطاع الخاص وتأثيرها المتزايد يهددان بأن يصبحا قريباً القوة المهيمنة في السياسة الأميركية، ما يطغى على أصوات الأميركيين العاديين. الأثرياء لهم حق المشاركة في العملية السياسية مثل أي شخص آخر. ولكن السماح بمبالغ غير محدودة من المال يؤثر سلباً في الديمقراطية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»