لم تتفاجأ الحكومة اللبنانية بقرار «مجموعة العمل المالي الدولية» بإدراج اسم لبنان على «القائمة الرمادية»، وقد اعتبر رئيسُها نجيب ميقاتي بأنه «خطوة كانت متوقعة بالنظر إلى الظروف المعروفة التي أعاقت إقرار التشريعات والإصلاحات المالية المطلوبة»، مؤكداً بأن «علاقات لبنان مع المصارف المراسلة لن تتأثر نتيجة هذا التصنيف، بعد ما أحرز تقدماً في العديد من الإجراءات الموصَى بها في تقرير التقييم المتبادل، وطبَّق سلسلة تدابير على قطاعه المالي».
ويستند ميقاتي في موقفه «المخفِّف» من مخاطر القرار إلى نتائج الجهود التي قام بها حاكم مصرف لبنان المركزي بالإنابة، وسيم منصوري، للحفاظ على علاقة لبنان الجيدة مع ستة مصارف مراسِلة، بما يسهّل عمليةَ دخول الأموال إليه وخروجها منه، والتي تقدر بنحو 25 مليار دولار سنوياً. مع الاعتراف بأن هذا القرار بحد ذاته، هو «إنذار» للحكومة التي تستمر في تجاهل المطالب والمعايير الدولية، وتقاعس السلطة السياسية في تنفيذ القوانين المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب.
لكن المراقبين انتقدوا «تخفيف» أهمية القرار وخطورته، واعتبروا ذلك محاولة لرفع المسؤولية عن المتسببين به، خصوصاً أن بعض المسؤولين يربط إصداره بمواقف سياسية خارجية. ويبرز في هذا المجال دور واشنطن التي تركز على ظروف لبنان الأمنية والسياسية والاقتصادية، في ظل غياب سلطة الدولة، وزيادة التهرب الضريبي، وضعف الرقابة، وتعطيل القضاء.
مع العلم أن مندوبي الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي في «مجموعة العمل المالي الدولية» قد شاركا في إعادة تقييم وضع لبنان منذ عام 2021. ورافق ذلك تحذير أميركي، أبلغه نائبُ مساعِد وزير الخزانة جيمس بيكر للمسؤولين اللبنانيين في مارس الماضي، ويتضمن قلقَ واشنطن من نمو «الاقتصاد الأسود»، محذِّراً مِن مخاطر تداعياته، ومؤكِّداً لهم على ضرورة مكافحة اقتصاد «الكاش»، الذي بات بيئةً خصبة لكافة أشكال العمليات غير المشروعة.
ومع تراكم السلبيات، وإزاء ضعف المعطيات والأرقام المتاحة، وإعلان وزارة المالية اللبنانية أنها فقدت قدرتَها على إعداد البيانات المالية التي تعكس الواقع الحقيقي، بسبب «العوائق الإدارية من ناحية الإمكانيات البشرية والتكنولوجية»، فقد توقفت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني الدولي عن إصدار تصنيفات جديدة للبنان، لعدم وجود معلومات عن أوضاعه المالية والنقدية. كذلك لوحظ أن لبنان غاب كلياً عن تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر مؤخراً تحت عنوان «آفاق الاقتصاد العالمي» لعام 2024، ولم يتضمن أيَّ معلومات أو تقديرات للنمو بعد عام 2023، بسبب الدرجة العالية من «عدم اليقين».
ويرى الصندوق «أن تطور الأوضاع الأمنية بات يشكل تحدياً كبيراً، بما يحول دون تقديم أي توقعات للناتج المحلي في نهاية العام الحالي»، الأمر الذي يجعل لبنان معزولاً عن كل تقلبات وتحولات الاقتصاد العالمي. وفي النتيجة، لا يمكن التقليل من خطورة وتداعيات التحديات التي تواجه لبنان، والتي أدت إلى إدراجه على «القائمة الرمادية»، لكن الخوف الكبير هو من أن ينزلق إلى «القائمة السوداء» في عام 2026، مع انتهاء المهلة التي حددتها المجموعة، إذا لم يتقيد بالمعايير الدولية المعتمدة، والالتزامات المطلوبة منه، وأهمها: تعزيز آليات التعاون الدولي، وتسليم المجرمين، واسترداد الأصول، وزيادة التحقيقات والملاحقات القضائية، وإصدار الأحكام المتعلقة بغسل الأموال، وتطبيق العقوبات المالية الدولية بشكل فوري، ورفع مستوى فهم المخاطر لدى المهن غير المالية، وتحسين استخدام السلطات المختصة للمعلومات المالية وتحديداً السلطات الضريبية.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية