أثناء الانتخابات الأميركية، يدور حديث حول الفروقات الجوهرية بين الحزب «الديمقراطي» و«الجمهوري» في سباق نصف الطريق أو كله إلى البيت الأبيض.
وفي الوقت نفسه، هو اختبار عملي لمدى شعبية أي رئيس بعد مضي سنتين على انتخابه رئيساً ينتمي إلى أي حزب أو لا ينتمي إلى أي حزب كما كان الوضع مع ترامب الذي تم ترشيحه وتبنيه من قبل الحزب «الجمهوري» من قَبْل وفي هذه المحطة الانتخابية كذلك.
يزعم البعض بأن الفرق بين الحزبين شكلي، كيف وقد أدخل الحزب «الديمقراطي» فتاتين أميركيتين مسلمتين إلى قبة الكونجرس، وهو أقرب في توجهاته إلى الإنسان، أما الحزب المنافس فيراه المحللون أكثر اهتماماً بأصحاب المال والأعمال.
«الديمقراطيون» تخلصوا من عقدة اللون الأسود للرئيس، أما «الجمهوريون» فما زالوا متمسكين بالعرق الأبيض، وهو ما يتنافى مع أبسط مبادئ التعددية في المجتمع التي تحرص الولايات المتحدة عليها، كبوتقة صاهرة لكل الأعراق.
ولقد دفع صاحب أحد المتاجر الأميركية الشهيرة خسائر تقدر بعشرات الملايين من الدولارات عن أحد موظفيه لأنه طرد رجلاً أسود اللون من محله، فدافع عنه كل البيض الموجودين معه، فاضطر صاحب المال للتدخل قبل أن يخسر تجارته بسبب موظف عنصري فج، بل قام بتدريب العاملين كافة لديه على نبذ العنصرية، وعدم الوقوع في حُفرها.
عاد ترامب من جديد ليصبح فرس الرهان في المشهد الانتخابي، خاصة وأنه يمارس عملية تصفير المشاكل المستعصية على الحل منذ عقود طويلة، وبالذات المعضلة الفلسطينية الإسرائيلية، حيث أقدم على خطوات غير مسبوقة، منها قيام الولايات المتحدة الأميركية بنقل سفارتها إلى القدس في أجرأ قرار اتخذه رئيس أميركي، بل اليوم يربط مصير إسرائيل بضرورة انتخابه في ظل الدعاية السياسية الساخنة.
بعد هذه الخطوة، يبدو أن القرارات الأخرى هينة، فميزة ترامب حتى هذه الساعة أنه أوفى بعهوده لناخبيه، فقد انسحب من الاتفاقية النووية الإيرانية التي أخذت عقداً من المحادثات لإبرامها، وكذلك خرج من اتفاقية باريس للمناخ، ومنذ 4 نوفمبر 2018، أدخل إيران إلى نفق العقوبات المشددة الجديدة.
إن هذه الإنجازات قد تعطيه زخم العودة لفترة رئاسية ثانية يكمل خلالها بقية وعوده، وعلى رأسها الدفع بالقضية الفلسطينية باتجاه الحل الدائم.
ترامب وهاريس غارقان في الحملة الانتخابية التي أوشكت على الحسم، ويترقب العالم نتائج يوم 5 نوفمبر 2024 ويريد كل منهما مباركة اللوبي الداعم لإسرائيل، للوصول إلى خط النهاية عبر المزيد من الوفاء لتلبية مطالب إسرائيل اللامتناهية، في وقت تغرق في بحر من الحروب متعددة الجبهات منذ أكثر من عام.
الفائز في هذا السباق الرئاسي الأميركي هو القادر على إخراج إسرائيل من معظلة غزة ودحرجة نتنياهو من سدة الحكم، لزوال الحرج السياسي عن طريق الرئيس الأميركي المقبل، خاصة في ظل ملفات تقصم ظهور عتاة الساسة في العالم أجمع.
أميركا عام 2025، لن تشبه قرونها السالفة إذا لم تعد إلى رشدها السياسي في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وتضع خطوط حمراء أمام إسرائيل، إذا كانت صادقة في حبها للسلام العالمي.
لم تعد فلسطين هي أسخن ملف منذ عقود، بل انضمت إليها لبنان وسوريا والعراق واليمن، وملفات أخرى قيد التسخين، فمن يقول لهذه الملفات «أنا لها» في أميركا لا عليها.
*كاتب إماراتي