لم يتوقف الناس عن الإعجاب بأصحاب العقول الخلاقة ومتفوِّقةِ الذكاء، حيث نجد في كل مجتمع نخبةً من الأفذاذ الضالعين في المجالات والتخصصات المختلفة والذين عرِفوا بالإبداع الذي قدموه من خلال التفوق الفكري والنتاج العملي. ولا يمكن إخفاء الرغبة العارمة لدى مختلف شرائح المجتمع في الانضمام إلى تلك النخبة المتميزة، وهو أمر لا يمكن تطبيقه عملياً بشكل متساوٍ، الأمر الذي يمكن تفسيره من خلال النظرة التحليلية للعقل الإنساني والوقوف على نقاط التشابه والاختلاف، والمشتركات والمفترقات، لا سيما أن التشابه بين عقول الناس لا يتجاوز البنية البيولوجية. حيث إن لكل إنسان دماغاً متصلاً بشبكة معقدة من الأعصاب وفي ذات الوقت تتشابه العقول الإنسانية في الأجزاء المكونة للدماغ، والتي تمكن دراستها بتفصيل في علم الأحياء، المتخصص بتشريح الأجهزة في جسم الإنسان.
وفيما يتعلق بالمفارقة النوعية حول الإنتاج الفكري والمعرفي الإنساني، فإنه يمكن إرجاعها إلى التنوع الوظيفي الخاص بالدماغ الإنساني، حيث إن القدرات العقلية والوظائف التي يمكن إنجازها لا تتشابه بين شخص وآخر، وبخاصة أن إتقان المهارات المسؤولة عن الإبداع والابتكار في مجال معين تختلف من شخص لآخر عند مقارنة ذلك بشخصين - على سبيل المثال - في نفس الفئة العمرية، حيث إن التكوين البيولوجي لدماغ الإنسان يتشابه في سن الـ (35) مثلاً، لكنه يختلف في ممتلكاته من الأدوات الدافعة بمستوى الإنتاج العقلي من مهارات وخبرات، وبالتالي لا يمكن المساواة في مستوى الإدراك والمعرفة لاختلاف التنوع الوظيفي.
وبالإضافة لكل ما سبق، فإن هناك حزمة من التأثيرات التي لا يمكن استثناؤها عند الحديث عن الفروقات والتشابهات في المستوى الفكري للإنسان وقدرته على إنتاج المعارف، وما يتصل بذلك من مهارات تحليلية ونقدية وغيرها، حيث إنه لا يمكن إنكار الأثر الاجتماعي والتربوي والبيئي والثقافي والقيمي والديني على البنية العقلية والتكوين الفكري وبالتالي القدرة العقلية.
كما أن الحديث عن القدرة العقلية، وبالتحديد الإنتاج المعرفي، يتداخل مع العديد من الخصوصيات والشروط والمحددات، حيث إن ما يسميه العلماء بـ «الفروق الفردية»، له أثر بارز أيضاً على طبيعة التكوين المعرفي، لا سيما أن هناك العديد من الفروقات التي يتميز بها شخص عن الآخر، مثل الفروق في القدرة الحركية التي تمكن ملاحظتها عند اللاعبين، حيث تختلف القوة البدنية والمهارات الحركية المكتسبة ومستوى المرونة من جسد إلى آخر، وكذلك الحال في الفروق العرقية التي تميز كل عرق بصفات مختلفة عن غيره، وهذا أيضاً ما يُذكَر عنده المقارنة بين الطلبة من حيث التحصيل العلمي، حيث إن مستوى التحصيل أو الإنجاز يختلف من شخص لآخر. وكذلك الحال مع الفروق المتعلقة بشخصية الإنسان نفسه، مثل توجه الفكر عنده نحو الإيجابية أو السلبية، وأخيراً الفروق الفكرية التي تعبر عن مستوى القدرة العقلية أو مستوى الذكاء الذي يتفاوت بين العادي والمتوسط والعالي، وما يتجاوز ذلك، وصولاً إلى العبقرية.
وعليه، فإن تأثير العقل في اكتساب المعرفة وتطوير الأفكار، يتعلق بطبيعة البنية العقلية البشرية، التي تجعلنا نقف مطولاً بين العقل والفكرة، لنلمس الخيط الذي يربط بينهما والعلاقة التكاملية والتأسيسية المطردة.

*الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة