يمكن وصف الزيارة الأخيرة التي قامت بها الرئيسة الهندية دروبادي مورمو إلى الجزائر بالتاريخية، لأنها أكدت على العلاقات المتنامية بين الهند والجزائر، وبالتالي الروابط المتنامية بين الهند وأفريقيا.

وبهذه الزيارة التي تُعد الأولى من نوعها لرئيس هندي إلى الجزائر، بدأ البلدان الآن فصلاً جديداً في علاقاتهما يتميز بالتركيز على تنمية الملفات الاقتصادية. وفي مؤشر على العلاقة الخاصة التي تجمع البلدين، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الرئيسةَ الهنديةَ في المطار وخصّها باستقبال رسمي. وفي مستهل زيارتها، قامت الرئيسة الهندية بزيادة النصب التذكاري لـ«مقام الشهيد» في الجزائر العاصمة للترحم على أرواح الجنود الذين ضحّوا بحيواتهم إبان حرب الاستقلال الجزائرية.

كما زارت المتحف الوطني للمجاهد الذي يخلّد ذكرى كفاح الجزائر من أجل التحرير. وبعد ذلك، أجرت الرئيسة مورمو محادثات مع الرئيس تبون، حيث ناقش الجانبان سبل الارتقاء بالعلاقات الهندية الجزائرية إلى مستوى أعلى. وعقب هذه المحادثات، أكدت الرئيسة الهندية على أن البلدين ملتزمان بالارتقاء بعلاقاتهما الثنائية، مع التركيز بشكل خاص على التجارة والاستثمار. واغتنمت الفرصة لتعيد التأكيد على التزام الهند القوي تجاه أفريقيا.

وتمحور أحد المحاور الرئيسية في المحادثات حول سبل تنمية التجارة والاستثمار بين البلدين. فقد شهدت التجارة الثنائية بينهما تذبذباً في السنوات الأخيرة، إذ بلغت ذروتَها في عام 2018 مسجلةً 2.9 مليار دولار سنوياً، ثم ما لبثت أن انخفضت إلى 1.5 مليار دولار في 2021 بسبب تأثير جائحة كوفيد- 19 واستراتيجيات تقييد الاستيراد الجزائرية بسبب أزمة النقد الأجنبي في البلاد. غير أن التجارة سرعان ما ارتفعت في عام 2022 بنسبة 24 في المئة وبلغت 2.1 مليار دولار.

ومما لا شك فيه أن العلاقات التجارية والاقتصادية ظلت دون مستوى إمكانياتها الحقيقية، وأن هناك الكثير مما ينبغي فعله بين البلدين. وخلال الكلمة التي ألقتها في فعالية نظّمها مجلس تجديد الاقتصاد الجزائري واتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية، شددت الرئيسة الهندية على أن النمو الذي تشهده الجزائر واقتصادها الآخذ في التوسع يتيحان فرصاً كثيرة في مختلف القطاعات. وحثت الشركاتِ الهنديةَ على استكشاف الفرص التي يتيحها الاقتصاد الجزائري، لأن التجارة بين البلدين لم ترقَ حتى الآن إلى مستوى إمكانياتها الكاملة.

ومن جانبها، أكدت الجزائر على اهتمامها الكبير برقمنة أنظمة الدفع في البلاد، وإمكانية الاستفادة من التجربة الهندية في هذا المجال. زيارة الرئيسة مورمو إلى الجزائر أبرزت العلاقات السياسية المتجذرة والمتنامية بين الهند والجزائر.

فأثناء الكلمات التي ألقتها في فعاليات مختلفة، حرصت الرئيسة الهندية على التذكير بأن الهند كانت حاضرة عندما نالت الجزائر استقلالَها، وبأن البلدين حافظا على علاقات وثيقة منذ ذلك الحين. كما أشارت إلى أن القيادة السياسية في البلدين «كانت تربطهما دائماً علاقاتٌ جيدة»، مشددةً على أن الهند والجزائر ظلتا ملتزمتين بالحفاظ على وشائج الصداقة الوثيقة رغم البعد الجغرافي. وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الهند والجزائر في يوليو 1962، أي التاريخ الذي نالت فيه الجزائر استقلالها.

والواقع أن الهند لم تكن من بين أوّل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الجزائر فحسب، بل كانت أيضاً في مقدمة الدول التي دعمت تحررها عبر فتح مكتب تمثيلي لحكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة في نيودلهي عام 1959.

ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين البلدين ودية. كما دعمت الهند حركة التحرير الجزائرية منذ نشأتها. وكان لمكتب «جبهة التحرير الوطني الجزائرية» مكتب في الهند منذ أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات. وبعد استقلالها، كان البلدان جزءاً من حركة عدم الانحياز، التي كانت الهند أحد مؤسسيها. ودعم البلدان بعضهما بعضاً في المحافل الثنائية ومتعددة الأطراف والثنائية.

وفي عام 2001، كان الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة ضيفَ الشرف في احتفالات الهند بيوم الجمهورية، وهو ما مثّل محطةً بارزة أخرى في مسار العلاقات بين البلدين. وخلال تلك الزيارة، وقّع الجانبان إعلاناً للشراكة يحدد الركائز الأساسية للتعاون الثنائي، وبدأت العلاقات الاقتصادية تنمو بينهما.

واليوم، هناك العديد من الشركات الهندية التي تعمل في الجزائر، في القطاعين العام والخاص، في وقت يستكشف فيه البلدان مجالاتٍ جديدةً للتعاون بينهما. وفي عام 2018، وقّعت الهند والجزائر اتفاقيةً للتعاون في مجال علوم الفضاء والتقنيات وتطبيقاتها. وتتطلع الجزائرُ إلى الهند من أجل بناء قدراتها وإطلاق أقمارها الاصطناعية.

كما تربط بين الهند والجزائر علاقاتٌ على المستوى الشعبي، إذ يعمل العديد من الهنود، من أصحاب المهارات التقنية، في عدد مشروعات ومؤسسات جزائرية. وهناك هنود آخرون يعملون كبنائين ونجارين ورسامين ولحّامين.. في الجزائر، وفقاً لأرقام الحكومة الهندية. هذا ومن المتوقع أن تخلق زيارة الرئيسة الهندية بعض الزخم في العلاقات بين البلدين وتعزز التعاون الثنائي.

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي