هل سيزيد مقتل العقل المدبر لحركة «حماس»، يحيى السنوار، خلال معركة جرت مؤخراً في شمال قطاع غزة، من فرص حدوث انفراجة سياسية في الحرب المستمرة في القطاع منذ عام؟ بعض المتفائلين يأملون أن يصبح التفاوض على وقف إطلاق النار، والإفراج المتبادل عن الرهائن، وبدء محادثات حول خطوات إعادة إعمار غزة.. أسهل الآن. وعلى خلفية العنف المروع للإرهاب، والضربات الجوية الإسرائيلية، بلغ الضغطُ من أجل التوصل إلى تسوية ذروتَه.
غير أن هناك، للأسف، أسباباً تدعو للتشاؤم على المدى القصير. ذلك أن أعضاء محوريين في ائتلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعارضون وقفَ إطلاق النار، مثلما يعارضه بعض الأعضاء المتبقين من «حماس». فيوم الاثنين 21 أكتوبر، عقد نشطاء يمينيون إسرائيليون تجمعاً حاشداً من أجل الترويج لخطط بناء مستوطنات يهودية جديدة في غزة. التجمع ضمَّ أعضاءَ من ائتلاف نتنياهو الحاكم، مثل وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، ووزير المساواة الاجتماعية بتسلئيل سموتريتش. وخلال هذا التجمع، صدرت دعوات ليس إلى الاستيطان فحسب، ولكن أيضاً إلى طرد جميع السكان الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن الأمر يتعلق بمجموعة صغيرة لا تمثِّل الحكومةَ الإسرائيلية أو غالبية الإسرائيليين، إلا أن الإصرار على عدم تقديم أي تنازلات للفلسطينيين يعني أن هذه المجموعة يمكن أن تنسحب من الحكومة في أي وقت، ما قد يؤدي إلى انتخابات جديدة قد يخسرها نتنياهو. وهذا الأمر قد يضعه في خطر قانوني وملاحقة قضائية من قبل المحاكم الإسرائيلية بسبب اتهامات سابقة.
وهناك عامل آخر ضد تحقيق اختراق في غزة، ويتعلق بلاعبين محوريين آخرين قد لا يرغبون في رؤية نهاية مبكرة للصراع. ذلك أن وقف إطلاق النار من شأنه أن يضع «حزب الله» اللبناني تحت ضغط كبير من أجل التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لإنهاء القتال والهجمات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان. وفي ظل هذه الظروف، سيتقلص احتمال شن «حزب الله»، الذي يُعد أهم وكيل لإيران، هجمات واسعة النطاق على إسرائيل في حال تصاعد مواجهة مباشرة بينها وإيران. وفضلاً عن ذلك، فإن سيناريو وقف إطلاق النار يفضي إلى حوار جدي بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية المحورية والولايات المتحدة، سيمثّل خبراً سيئاً لبعض الأطراف الإقليمية غير الراغبة في السلام، وربما لقوى دولية ترحّب بإمكانية انجرار الولايات المتحدة إلى حرب لا نهاية لها في الشرق الأوسط.
أما إذا تسنى التوصلُ إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فإن ذلك سيعد انتصاراً مهماً لدبلوماسية بايدن-هاريس، ومن شأنه أيضاً أن يقلل مخاطر اندلاع أعمال عنف إقليمية جديدة، ومن احتمالات حدوث اضطرابات في سوق الطاقة خلال الأيام التي تسبق الانتخابات الأميركية. وبالنظر إلى العلاقة السيئة بين نتنياهو وإدارة بايدن، وآمال نتنياهو في فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، فمن المستبعد أن يرغب نتنياهو في منح كمالا هاريس «مفاجأة أكتوبر» سارة.
والأرجح ألا يحدث وقفٌ لإطلاق النار إلا بعدما يتم حسم الانتخابات الأميركية.. ذلك أن الرئيس المنتخب، أكان هاريس أم ترامب، سيكون متحمساً لوضع حد للعنف، وسيكون لديه نفوذ مهم للضغط على الطرفين حينما يتضح مَن سيكون مسؤولاً عن السياسة الأمنية الأميركية في السنوات الأربع المقبلة. فإذا فاز ترامب، فسيرغب في أن يثبت سريعاً أنه، وعلى عكس بايدن، قادر على «إنجاز الأمور»، ولن يرغب في أن يكون مثقلاً بأزمة لا تنتهي وقد تُعطّل الأشهرَ الأولى من ولايته. كما أن علاقاته الجيدة مع نتنياهو ستكون ميزةً تساعده على إظهار مهاراته الدبلوماسية.
أما في حال فازت هاريس، فإن ذلك سيمثّل صدمةً لنتنياهو الذي يعرف أنه سيكون في تلك الحالة تحت ضغط كبير من أجل إنهاء الأزمة، وفتح نوع من الحوار مع الفلسطينيين، وذلك لأن هاريس، وعلى غرار ترامب، لا ترغب في الانجرار إلى مزيد من الصراعات، ومع تفويض جديد، ستكون قادرة على إبداء قدر أكبر من الحزم والصرامة مع نتنياهو، مقارنة بما كان بايدن مستعداً لإبدائه.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن