تشكل البنية التحتية أهمية بالغة للتنمية، وهو ما أثبتته تجارب دول مجلس التعاون الخليجي. إلا أن البنية التحتية الخليجية بحاجة لدعم إضافي، من خلال مشاريع جديدة، كي يكون لها دور أكثر فاعلية في دمج وتكامل الاقتصادات الخليجية، حيث تأتي شبكة السكك الحديدة الموحدة، كأحد أهم المشاريع التي يتوجب استكمالها، لما تشكله من أهمية اقتصادية ولوجستية للنقل والتجارة.
ومعلوم أن هناك مشروعاً خليجياً اعتُمد في العقد الأول من الألفية يقضي بإقامة شبكة سكك حديدية خليجية موحدة، على أن تُستكمل في عام 2017. إلا أن ما بدأ فيه العمل واستُكمل هو المشروعان الإماراتي والسعودي، كما بُدئ العملُ مؤخراً في الشبكة العمانية، بالتنسيق مع الإمارات، ما يعني أن هناك تأخراً بأكثر من سبع سنوات يتوقع أن يمتد حتى عام 2030، كما صرح الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي، وهي فترة زمنية طويلة فوتتْ العديدَ مِن الفرص المهمة، وحمّلت الدولَ والمؤسسات تكاليفَ باهظةً، باعتبار أن النقل والتجارة عن طريق السكك الحديدية يعد الأرخص مِن بين سائر وسائل النقل، علاوةً على كونه الأقل تلويثاً، لاعتماده على الطاقة الكهربائية.. ما يبرز أهميتَه البيئية الكبيرة.
وفي حال الالتزام بالجدول الزمني الجديد، فإن حركة النقل في دول المجلس ستحقق نقلةً نوعية في عام 2030، نقلةً ذات أهمية استراتيجية وتجارية وبيئية، وأخرى تتعلق بسلامة التنقل من خلال تفادي الكثير من الحوادث التي تشهدها الطرق الخارجية بين دول المجلس بصورة شبه يومية، ما سيحفظ سلامةَ الكثير من الأشخاص.
ولتحقيق ذلك، فثمة مشاريع رئيسة لا بد من البدء في تنفيذها الآن ليتم استكمالها عام 2030 دون تأخير؛ أولها الشبكات الداخلية للدول التي لم يبدأ تنفيذها حتى الآن، وهذه مسألة مهمة لعملية ربط الأطراف كافة، إذ إن تأخير إحداها سيؤثر في ربط بقية الجهات.
وبما أن هذه العملية في بعض جوانبها تتطلب تنفيذَ مشاريع كبيرة تستغرق وقتاً طويلاً، فإن مباشرةَ أعمال التنفيذ تعَد أمراً مستعجلاً. وهناك الجسر الجديد بين السعودية والبحرين، والذي لا يوجد بديل عنه لربط سكة الحديد بين البلدين. وفي الجهة الأخرى، هناك مشروع جسر البحرين - قطر، والذي يشكل بدوره حلقةَ ربط مهمة للشبكة الخليجية، إذ سيربط الكويتَ مع قطر والإمارات وعمان من خلال البحرين، ولا بديل عنه هو أيضاً لعملية استكمال الربط.
وفيما يتعلق بالاعتمادات المالية المخصصة للمشاريع المحلية والجسور المشتركة، فإن دول المجلس لا تعاني هذه المشكلة التي تعيق الكثير من المشاريع في البلدان الأخرى، وبالأخص في الدول النامية، علماً بأنه تمت الإشارة هنا من قبل إلى ضرورة إنشاء صندوق خليجي للبنية التحتية لتسهيل تمويل المشاريع المشتركة بين دول المجلس، والذي يشكل أهمية كبيرة لتنمية البنية التحتية الموحدة. وتمكن الاستفادة هنا من تجربة المملكة المغربية التي تمكنت من بناء شبكة متقدمة للسكك الحديدية تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، كشبكة «البراق» بقطاراتها فائقة السرعة، وبتنظيمها ودقة مواعيدها، والتي ستتوسع، تحضيراً لمونديال 2030.
والحال أن ما قد يعرقل هذه المشاريع الحيوية المشتركة هو تفاوت التقييمات حولها، إلا أن أهميتها البالغة تتطلب تقريب هذه التفاوتات لضمان استكمال الربط السككي الذي لم تعد أهميته تقتصر على دولتين يربطهما مشروع معين، وإنما امتدت هذه الأهمية لدول المجلس كافة.
ومن هذا المنطلق الخاص بالمصالح المشتركة والمستقبل الاقتصادي لدول المجلس، فإن الأمر يتطلب تجاوز العقبات وتكثيف الجهود المشتركة للدفع باتجاه التنفيذ، إذ يفصلنا عن عام 2030 خمسة أعوام فقط، في حين أن بعض هذه المشاريع سيستغرق بين 4 و5 أعوام، لذا يتعين تجنّب عملية تأجيل جديدة من شأنها تفويت فرصة مهمة لتطوير البنية التحتية الخليجية المشتركة، وتحقيق تقدم استراتيجي واقتصادي وبيئي لا غنى لدول المجلس عنه.
*خبير ومستشار اقتصادي