عُقِدَت في بروكسل منذ أيام القمة الخليجية الأوروبية الأولى من نوعها. وعلى الرغم من أن التعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية قديم، بحكم أنه يعود لأول اتفاقية قننته في عام 1989، عدا عن تعدد اللقاءات على مستوى القمة، فإن هذه هي القمة الأولى التي تتصف بهذا الشمول. غير أن الشمول وحده لا يفسر أهمية القمة، وإنما تزداد أهميتها بحكم عاملين؛ أولهما طرفاها، أي الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون. والاتحاد الأوروبي كما هو معروف يمثل أنجح وأقوى تجربة تكامل اقتصادي في العالم المعاصر حتى الآن، إذ يساهم بأكثر من خُمْس الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويُعد الاتحاد مجتمعاً ثاني أكبر وأغنى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. أما مجلس التعاون فأهميته الكبيرة بالنسبة لمصادر الطاقة في العالم معروفة، إذ تمتلك دوله أكبر احتياطي من النفط في العالم بنسبة تصل 33% من إجمالي الاحتياطي العالمي، وأكثر من خُمْس احتياطي الغاز العالمي، وتحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد روسيا من منظور احتياطي الغاز، ناهيك عن دورها الفعال في النظام الإقليمي العربي.
أما العامل الثاني للأهمية الاستثنائية لهذه القمة فهو توقيتها، إذ انعقدت في سياق اضطراب عالمي خطير بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا وآفاق تطورها، والموقف شديد الخطورة في الشرق الأوسط على ضوء المواجهات الجارية في فلسطين ولبنان، وانخراط أطراف أخرى إقليمية وعالمية في الصراع، واحتمالات اتساع نطاق الحرب لتصبح حرباً إقليمية.
والحقيقة أن أعمال القمة، كما اتضح من بيانها الختامي، عكست جديةً فائقةً في التصدي لكافة المشكلات الدولية ذات الصلة بالنسبة للأمنين العالمي والإقليمي، إذ لم تترك القمةُ قضيةً مهمةً في هذا السياق إلا وتصدت لها بصراحة. ومَن يلقي نظرة أولية على البيان الختامي للقمة يستطيع أن يدرك بسهولة مدى شمول وجدية النهج الذي اتبعته، إذ بدأ البيان بتحديد الإطار العام لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، وذلك بتعزيز التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة ومكافحة تغير المناخ، وكذلك في مجالات الاتصالات والتقنيات المتقدمة والاقتصاد الرقمي والابتكار والفضاء، وتعزيز المشاركة في المساعدات التنموية والإنسانية، وتعزيز الجهود المشتركة لمعالجة القضايا العالمية الرئيسية، وتعزيز التواصل بين شعوب المنطقتين. ثم بحثت القمة، كما يوضح بيانها الختامي تحت عنوان «شراكة من أجل الاستقرار والسلام الدائمين»، أهم القضايا المطروحة على الساحتين العالمية والإقليمية.
وتكفي الإشارة إلى أن القمة ناقشت 10 قضايا تمثل تقريباً كافة القضايا العالمية المهمة، بدءاً بالحرب في أوكرانيا، ثم انتقلت للأوضاع في إسرائيل وغزة والضفة الغربية ولبنان وإيران والبحر الأحمر واليمن والعراق وسوريا والسودان والصومال، وكلها أوضاع تنطوي على قضايا متفجرة عالمياً كالحرب في أوكرانيا، أو إقليمياً كالمواجهة الحالية في غزة والضفة الغربية ولبنان واحتمالات توسعها إلى حرب إقليمية كبرى. والأهم من التصدي للقضايا معالجتُها بنهج سليم.
وعلى الرغم من الصياغات الدبلوماسية المعتادة في مثل هذه المناسبات، فقد تبنت القمة عدداً من المواقف التي تنطوي على معالجة جذرية للقضايا، كما في نص البيان على الالتزام الثابت بتحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير من خلال «حل الدولتين»، والتأكيد على أهمية الحوار الدبلوماسي لتعزيز التهدئة الإقليمية. كذلك، فقد اكتسبت القمة طابعاً مؤسسياً بالاتفاق على عقد قمة كل عامين.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة