يترقب المواطن الأميركي والعالم، الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم الخامس من شهر نوفمبر القادم لاختيار الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية من بين مرشحين اثنين؛ مرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، ومرشحة الحزب الديموقراطي نائبة الرئيس الأميركي الحالي كامالا هاريس. وحسب استطلاعات الرأي فإن المرشحة الديموقراطية تتفوق على منافسها الجمهوري منذ السابع من شهر أغسطس الماضي، وهي تستحوذ الآن على 48.4% من أصوات الناخبين، مقابل 46.4% لترامب. وقبل أن نتناول أبرز محاور الحملة الانتخابية لكلا المرشحين، دعونا نلقي نظرة على هذا السباق والذي يتفق غالبية المحللين على أنه أحد أهم السباقات الرئاسية نحو البيت الأبيض، وأنه سوف يؤدي إلى حالة عميقة من الانقسام داخل المجتمع الأميركي. 
وبصورة عامة، هناك ثلاثة عوامل رئيسية تضفي على الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة أهميتها الخاصة. العامل الأول هو حالة الجدل الكبيرة التي سادت المجتمع الأميركي خلال رئاسة ترامب الأولى (2017 -2021). فقد برز على السطح خلال تلك الفترة مدى الاختلافات العميقة بين الأميركيين والتي تعود بالأساس لسياسة «ترامب» تجاه قضايا رئيسية مثل جائحة كوفيد-19، والهجرة غير الشرعية، والضرائب، والتأمين الصحي، والتعليم.. إلخ. وكل تلك القضايا، باستثناء كوفيد-19، مثلت أركاناً محورية في الحملات الانتخابية للحزبين الجمهوري والديموقراطي على السواء. 
والعامل الثاني هو انسحاب الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، من سباق الانتخابات الرئاسية وتزكيته لنائبته كاملا هاريس. وهو انسحاب تسبب في قلب دفة الاستطلاعات لصالح هاريس، والتي لا تختلف فقط عن بايدن، بل وتختلف أيضاً عن المرشحة الأولى في التاريخ الأميركي للرئاسة عام 2016، أي هيلاري كلينتون. فهذه الأخيرة لم تستطع أن تقرأ الداخل الأميركي جيداً، وخاصة استقطاب اليمين المتزايد للناخب الأميركي. أضف إلى ذلك، فضيحة البريد الإلكتروني الشهيرة، حيث استخدمت هيلاري بريدَها الشخصي لإرسال رسائل حكومية رسمية أثناء توليها وزارة الخارجية (2009 -2013) خلال الولاية الرئاسية الأولى لباراك أوباما. 
أما العامل الثالث الهام الذي يُحيط بالانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة فهو الوضع القضائي المتعلق بالرئيس السابق المرشح ترامب، وهو سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية لم تحدث قبل الآن. فقد تم توجيه أربع وثلاثين إدانة جنائية لترامب منذ خسارته الانتخابات السابقة. وتتضمن تلك الإدانات تُهماً بأفعال مختلفة. وذلك يعني أن ترامب يتجه نحو الانتخابات ولديه ملف قضائي ثقيل، لكنه لن يخضع للمحاكمة مرة أخرى قبل الانتخابات الرئاسية، والتي لو فاز بها لوجَّه وزارةَ العدل لإسقاط التهم الفيدرالية بحقه، كما يتوقع غالبية المحللين.
وبالنسبة للمحاور الرئيسية لحملتيْ ترامب وهاريس؛ فالأول يركز على ما يراه إنجازاتٍ خلال فترة رئاسته الأولى، بجانب انتقاداته القوية للإدارة الحالية فيما يتعلق بسياساتها إزاء الهجرة غير الشرعية، والحدود، والاقتصاد، والضرائب.. إلخ. أما هاريس فتركز على دعم الأميركيين متوسطي الدخل، وتخفيض نفقات العائلة الأميركية، وإلغاء الضرائب عما يزيد عن 100 مليون أميركي، وتخفيض النفقات الاجتماعية، وتحسين الأجور، وبناء ثلاثة ملايين وحدة سكنية بأسعار معقولة، ومنح المرأة «حق الإجهاض»، وتقوية قيادة واشنطن للعالم.
وبصورة عامة، سواء تولت امرأةٌ رئاسةَ دفة البيت الأبيض للمرة الأولى في التاريخ الأميركي أو فاز مرشح لديه إدانات جنائية، فإن النتائج سوف تساهم بصورة مباشرة في تعميق الانقسام السياسي الداخلي بشكل غير مسبوق بين اليمين المحافظ واليسار الليبرالي، لكنها لن تؤدي إلى أي تغيير في السياسة الخارجية الأميركية، وخاصة تجاه العالم العربي.

*باحث إماراتي