تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 القرار 181 لتقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية. وأدى هذا القرار التاريخي إلى قيام إسرائيل في 14 مايو 1948. اليوم وبعد 77 عاماً مزق مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، ميثاق المنظمة الدولية خلال كلمته في جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة، احتجاجاً على تصويت الجمعية بالأغلبية (143 عضواً) على قرار «يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب، كما يحدد طرقاً لإعمال حقوق وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين في منظمة الأمم المتحدة». وصوت 9 أعضاء فقط ضد القرار، من بينهم الولايات المتحدة وإسرائيل ذاتها، بينما امتنع 25 عضواً عن التصويت بما فيهم بريطانيا وألمانيا وكندا.
ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان والضفة الغربية، تواصل إسرائيلُ تجاهلَ قرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء الحرب فوراً، وكذلك أوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة. كما تواصل تحدي القرارات والآليات الدولية، واستهداف المؤسسات الدولية العاملة في المنطقة. ففي لبنان استهدف الجيش الإسرائيلي مجدداً قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، ودعت إسرائيلُ القوةَ الدولية للابتعاد 5 كيلومترات عن الحدود، في انتهاك للقرار 1701، ما أثار غضباً دولياً.
وكانت إسرائيل قد وصفت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأنه «شخص غير مرغوب فيه»، بعد أن أثار حفيظتَها بتصريحاته خلال اجتماع لمجلس الأمن حول الوضع في غزة، إذ قال إن «الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تهدد الشرق الأوسط»، مؤكداً التزامَه بقرار الجمعية العامة حول «إنهاء الاحتلال الإسرائيلي». لكن لم تكن التصريحات الأخيرة لغوتيريش وحدها سبباً للقرار الإسرائيلي باعتباره «غير مرغوب فيه» لديها، إذ سبق أن تصاعدت حدة التوتر بين الطرفين في ديسمبر 2023، عندما أرسل الأمين العام للأمم المتحدة خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن يفعّل فيه - للمرة الأولى - المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على أنه «يحق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين».
وسعت دولة الإمارات أثناء عضويتها في مجلس الأمن آنذاك إلى دفع المجلس نحو الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وقدمت مشروعَ قرار يطالب، بناءً على رسالة غوتيريش، بـ«وقف إنساني فوري لإطلاق النار».
كما أدرجت الأمم المتحدة لأول مرة «الجيش الإسرائيلي» ضمن «قائمة العار» التي تضم الأطراف المتحاربة «التي ترتكب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال» في النزاعات المسلحة. وهو ما أثار غضب إسرائيل، على الرغم من أن القرار شمل أيضاً «كتائب عز الدين القسام» التابعة لحركة «حماس» و«سرايا القدس» التابعة لحركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية. وأثارت هذه الخطوة غضباً رسمياً إسرائيلياً، حيث أكد نتنياهو أن الأمم المتحدة أدخلت نفسَها في القائمة السوداء للتاريخ. وناقشت الحكومة الإسرائيلية إجراءات تعتزم فرضَها على الوكالات التابعة للأمم المتحدة، تشمل أيضاً المماطلة في تجديد تأشيرات موظفي الأمم المتحدة الأجانب أو رفض تجديدها، فضلاً عن إنهاء عمل وطرد كامل لبعثات الأمم المتحدة. كما تصاعد التوتر بين إسرائيل والأمم المتحدة بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي على تصنيف منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) «منظمة إرهابية».
وعود على بدء، وبعد أن ساهمت الأمم المتحدة في ولادة إسرائيل تعلن اليوم الحكومةُ الإسرائيلية العصيان على الأمم المتحدة بأجهزتها ومسؤوليها وقراراتها الدولية، في حالة «عقوق دولي» فريدة.

*كاتبة إماراتية