تمثل زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، التي بدأت أمس، إلى روسيا الاتحادية، حلقةً جديدة في سلسلة الزيارات المهمة التي قام بها سموه منذ مايو الماضي إلى عدد من الدول الكبرى والمؤثرة في المنطقة والعالم، على النحو الذي يعكس الثقل الاستراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقدرتها على إقامة علاقات فاعلة ومتنامية مع هذه الدول، والحفاظ على توازن دقيق ومحسوب يضمن بناء الشراكات وتمتين جسور التعاون مع مختلف الأطراف. وفيما يتضمن جدول زيارة روسيا الاتحادية بحْث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وفخامة الرئيس فلاديمير بوتين مختلف مجالات العلاقات الثنائية وسبل تنميتها، فإن الزيارة تحظى بأهمية خاصة لكونها المشاركة الأولى لدولة الإمارات في «قمة بريكس» بوصفها عضواً في هذا التكتل المهم، حيث يبلغ عدد سكان المجموعة بعد توسعتها نحو 3.5 مليار نسمة، يشكلون 45% من سكان العالم، وتبلغ قيمة اقتصاداتها مجتمعةً أكثر من 28.5 تريليون دولار، أي نحو 28 في المئة من الاقتصاد العالمي. وقد انطلقت دولة الإمارات في انضمامها إلى مجموعة «بريكس»، الذي صادق عليه أعضاء المجموعة في أغسطس 2023، من رؤية شاملة عبّر عنها وصف سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، في بيان للوزارة بتاريخ 25 أغسطس 2023، لهذا الانضمام بأنه يشكل «جزءاً من أولويات دولة الإمارات في تعزيز الحوار البنّاء من خلال منصات فاعلة، تمثل اقتصاديات الدول النامية والناشئة، والتركيز على الرخاء الاقتصادي على المدى الطويل، والحفاظ على علاقات استراتيجية واقتصادية متوازنة في نظام عالمي دائم التطور».وتأتي زيارة صاحب السمو رئيس الدولة لروسيا بعد ثلاثة أيام من نجاح دولة الإمارات في إنجاز عملية تبادل أسرى حرب بين روسيا وأوكرانيا، هي التاسعة من نوعها منذ بداية العام، تضمنت إطلاق 190 أسيراً. وتؤكد الصفقة فاعلية الدبلوماسية الإماراتية ورصيد الاحترام والثقة الذي تتمتع به الدولة لدى طرفي الحرب. كما تأتي هذه الزيارة بعد نحو شهر من زيارة ناجحة لصاحب السمو رئيس الدولة إلى الولايات المتحدة، أكدت عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ووسَّعت آفاق التعاون في مجالات تشمل الاقتصاد والتجارة الثنائية والاستثمار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والدفاع وعلوم الفضاء والطاقة المتجددة والأمن الغذائي ومكافحة التغير المناخي وحلول الاستدامة، إلى جانب مناقشة القضايا الإقليمية التي تعمل دولة الإمارات والولايات المتحدة على إيجاد حلول لها، مثل الأوضاع في قطاع غزة ولبنان والجهود المشتركة من أجل ضمان الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم. ويعكس قرب المدى الزمني بين الزيارتين قدرة دولة الإمارات على إقامة علاقات مستقلة ومتوازنة مع كل الأطراف وتنويع شراكاتها وتحالفاتها السياسية والاقتصادية، واستخدام رصيدها من المصداقية والثقة في تقريب وجهات النظر واحتواء الخلافات والصراعات، وهو ما يقابله احترامٌ لدولة الإمارات من جانب الشركاء، ومزيدٌ من الحرص على تنمية العلاقات وتوسيع آفاقها، خاصة مع قدرة دولة الإمارات على ضبط مسارات هذه العلاقات على نحوٍ يستفيد منه الجميع. وتُظهر الزيارات التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والزيارات التي قام بها رؤساء وقادة الدول الكبرى في العالم والمنطقة خلال الأشهر الخمسة الأخيرة الكثافة والتنوع اللذين تتسم بهما علاقات الدولة، ومدى انخراطها في العديد من الملفات الحيوية على الصعيدين الإقليمي والدولي. ففي أكتوبر الجاري، زار سموه مصر والأردن وصربيا، وفي سبتمبر استقبل رئيس مجلس الدولة الصيني، إضافة إلى زيارة الولايات المتحدة، وفي يوليو استقبل صاحب السمو رئيس الدولة الرئيسين التشيلي والإندونيسي، وفي يونيو زار سموه إيطاليا للمشاركة في قمة مجموعة السبع حول الذكاء الاصطناعي، وفي مايو زار الصين للمشاركة في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني في بكين، كما زار سموه كوريا الجنوبية. وفي كل هذه الزيارات، كانت هناك لقاءات لسموه مع قادتها وكبار مسؤوليها، وخطوات متقدمة لتعميق التعاون وتوثيق العلاقات، وتوقيع اتفاقيات سياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية. وتجسد هذه الزيارات المتبادلة التنوع الكبير في قائمة علاقات الدولة، وقوة الصِّلات التي تربطها بأهم الدول والأطراف الفاعلة في العالم المعاصر.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية