على مدى الأعوام الماضية، برهن الجيش المصري على دوره المحوري في قيادة البلاد نحو الاستقرار، بعد مرحلة من الاضطراب السياسي والأمني، خاصة عقب أحداث 25 يناير 2011. كانت القوات المسلحة المصرية قادرة على استعادة السيادة وبناء هيكل جديد للدولة من خلال ضمان الأمن وتوجيه البلاد نحو مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والاجتماعي.
واليوم، يمر لبنان بوضع مشابه، حيث تتراجع سيطرة «حزب الله» على الدولة اللبنانية، وتبرز الحاجة إلى جهة قوية تأخذ زمام المبادرة وتعيد للبنان سيادتَه واستقراره. فهل حان الوقت أن يحذو لبنان حذو مصر؟
أظهرت التطورات الأخيرة أن «حزب الله»، الذي كان يُعتبر لفترة طويلة القوةَ العسكرية المهيمنة في لبنان، يواجه الآن تراجعاً في نفوذه وانهياراً في قدراته، مما خلق فراغاً أمنياً كبيراً في البلاد. وفي هذا السياق، يبدو أن الجيش اللبناني هو الجهة الوحيدة القادرة على سد هذا الفراغ. وكما أشار المحللون، فإن القوات المسلحة اللبنانية تبقى المؤسسة الوطنية الوحيدة التي لا تزال تحظى بمصداقية ودعم شعبي واسع.
ومثلما فعلت مصر، يمكن للبنان أن يعتمد على جيشه لتجاوز مرحلة الفوضى والاضطراب. وإذا تمكن الجيش اللبناني من الاستفادة من الوضع الحالي، فإنه يستطيع أن يعيد الاستقرارَ إلى البلاد، تماماً كما فعل الجيش المصري في فترة مماثلة. في مصر، تحولت القوات المسلحة إلى قوة قادرة على إعادة بناء الدولة.
ولا يمكن إغفال أن مصر لم تقتصر على الجانب الأمني والعسكري في تحقيق استقرارها، بل استثمرت أيضاً في الأمن الفكري والإعلامي. في لبنان، الإعلام والفكر هما جبهتان يجب العمل عليهما بحكمة وحذر. حيث تتغلغل الأفكار المتطرفة والدعاية الحزبية، مما يعزز الانقسامات ويضعف التماسك الاجتماعي.
الجيش اللبناني يمكنه أن يكون القوة الموحِّدة التي تروج لخطاب وطني يشمل جميع اللبنانيين ويقلل من تأثير الإعلام الحزبي. ومثلما فعلت مصر في مواجهة التحديات الفكرية والإعلامية، يمكن للبنان أن يستفيد من التجربة المصرية في تحقيق وحدة وطنية وتوجيه الإعلام نحو دعم مؤسسات الدولة.
وفي ظل الفراغ الأمني والسياسي الناتج عن تراجع نفوذ «حزب الله»، يجد لبنانُ نفسَه عند مفترق طرق. يتمتع الجيش اللبناني بفرصة ليصبح القوة المحورية لإعادة بناء الدولة، على غرار ما حدث في مصر. لتحقيق هذا الهدف، يتعين على لبنان تنفيذ قرار 1559 الذي يفرض تجريد الميليشيات من سلاحها، ربما من خلال إعلان حالة الطوارئ وتعيين حاكم عسكري. كما يجب على مجلس الأمن تقديم الدعم الدولي للجيش اللبناني لضمان سيادة لبنان.
إذا استطاع لبنان تحقيق هذا التحول، فسيكون قد خطَا خطوةً مهمةً نحو استعادة سيادته وبناء مستقبل آمن ومستقر. لكن التحدي يكمن في ضرورة التحرك السريع والتخطيط الجيد، مع الوعي بأن الحلول الأمنية هي الأهم، لضمان عدم تكرار فشل التجارب السابقة في البلاد.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي