مع تحديد نحو نصف جميع الناخبين الجدد المؤهلين باعتبارهم لاتينيين، وتوقع انضمام 1.4 مليون شخص سنوياً إلى صفوفهم في المستقبل المنظور، لا شك في في أن هذه التركيبة السكانية سريعة النمو من الأميركيين مهمة للغاية للفوز بالانتخابات.
ولا ينبغي أن يكون هناك أي شك حول سبب غضب الحزب الديمقراطي من سلسلة استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت أن نائبة الرئيس كامالا هاريس تفقد ميزتها بين هؤلاء، وغيرهم من الناخبين الملونين لمصلحة دونالد ترامب. وفي الواقع، ووفقاً لأحدث استطلاع من صحيفة «نيويورك تايمز» وكلية «سيينا»، من المرجح أن يصوِّت نحو 40% من اللاتينيين لمصلحة ترامب، ما يعكس نتائج استطلاعات أخرى من شبكات «إن بي سي نيوز» و«تيليموندو»، و«سي إن بي سي»، وكذلك مركز بيو للأبحاث. حتى في ولاية كاليفورنيا، حيث يُعتبر الناخبون اللاتينيون من بين الأكثر ليبراليةً في الولايات المتحدة، تتقدم هاريس بنسبة 54%، وهي نسبة أقل بكثير من النسبة 75% التي حصل عليها الرئيس جو بايدن من الناخبين اللاتينيين في عام 2020، حيث يقول معظم الاستراتيجيين السياسيين، إن الرقم الذي تحتاج هاريس للوصول إليه على الصعيد الوطني هو 60%، وهي أقل من ذلك في معظم الاستطلاعات.لكن كيف انتهى الأمر بالحزب الديمقراطي إلى خسارة جزء مهم من جمهوره لمصلحة رجل يَعِد بتنفيذ عمليات ترحيل جماعي للمهاجرين، ويتحدث بلغة قاسية حول الأشخاص الملونين؟
لا شك في أن استطلاعات الرأي قد تكون خاطئة، وهذه هي الطريقة التي يفسر بها العديد من خبراء استطلاعات الرأي والاستراتيجيين السياسيين «الديمقراطيين» الأمرَ عندما يشيرون إلى استطلاعات أخرى تُظهر أن هاريس تُرسّخ دعمها بين اللاتينيين قبل الانتخابات. وحتى إن تجاهلنا استطلاعات الرأي، فالسؤال هو: كيف يمكن للحزب الديمقراطي الخروج من هذا الوضع، وإعادة بناء ائتلافه؟ لا توجد إجابات سهلة، لكن هناك سباقين في مجلس الشيوخ الأميركي يقدمان نماذج محتملة حول كيفية المضي قدماً. خذ على سبيل المثال ولاية نيفادا المتأرجحة، حيث يمثل اللاتينيون نحو 20% من الناخبين هناك، تسعى الديمقراطية «جاكي روزن» إلى إعادة انتخابها عضواً في مجلس الشيوخ عن الولاية، وهي تتفوق في الاستطلاعات على كل من هاريس، وعلى منافسها المدعوم من ترامب، سام براون.
ركزت روزن معظم حملتها على الاقتصاد، متعهدةً بخفض تكلفة المعيشة والإسكان، وبإلغاء الضرائب على الإكراميات. من السهل فهم سبب استجابة الناخبين اللاتينيين لهذه المقترحات. فمن نواح عديدة، لا تزال ولاية نيفادا تتعافى من الجائحة، عندما أُغلقت الكازينوهات، ما حرم العديد من موظفي قطاع الخدمات في الولاية من رواتبهم في وقت كانت فيه تكلفة كل شيء آخر ترتفع. وتُعتبر روزن نتاجاً لما يُعرف بـ«ماكينة ريد»، أي القوة التنظيمية السياسية «الديمقراطية» التي بناها زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الراحل هاري ريد. وتستند هذه القوة إلى نقابة عمال الطهي القوية، التي كانت روزن عضواً فيها.
واليوم، فإن أكثر من نصف عدد أعضاء النقابة من اللاتينيين، وقد أيدت النقابة روزن. لذا، فبينما كان براون مشغولاً بمحاولة تفسير مواقفه المتغيرة بشأن الإجهاض، أصبحت روزن في الأساس مدافِعةً عن الطبقة العاملة في نيفادا، وهو الأمر الذي أبدى «فرناندو جويرا»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة لويولا ماريماونت في لوس أنجلوس، أسفَه عليه، قائلاً: إن الديمقراطيين لم يعودوا يبذلون ما يكفي من الجهد في هذا الصدد. وأضاف: «لقد قام الجمهوريون بعمل جيد في إنشاء سرد مفاده أن الديمقراطيين مجرد مجموعة ليبراليين من الساحل الشرقي يخوضون معارك ثقافية، ولا يهتمون بالطبقة العاملة.
واللاتينيون في الغالب هم من الطبقة العاملة». وفي غضون ذلك، وفي ولاية أريزونا تحديداً، تخلى النائب الديمقراطي «روبن جاليجو» عن مواقفه التقدمية لمصلحة سياسات أكثر صرامةً بشأن الحدود والهجرة، في سباقه للحصول على مقعد شاغر في مجلس الشيوخ الأميركي ضد الجمهورية «كاري ليك». وتُعَد ليك مرشحة فوضوية إلى الحد الذي قد يجعل أي خصم يبدو جيداً. لكن جاليجو لا يزال يدير حملة رائعة لاقت صدىً لدى الرجال اللاتينيين على وجه الخصوص. ويمثل اللاتينيون في أريزونا نحو 25% من الناخبين، ومثل روزن، يتقدم جاليجو في استطلاعات الرأي على هاريس بفارق مريح. وخلال مناظرته مع ليك هذا الشهر، سارع جاليجو إلى التعهد بدعم توظيف المزيد من عملاء دوريات الحدود وزيادة التمويل لبناء الجدار الحدودي الذي كان قبل أربع سنوات فقط رمزاً لقسوة ترامب في أعين الديمقراطيين.
وقال: «الدولة التي ليس لديها حدود تسيطر عليها، ليست دولة»، مما يجعله يبدو وكأنه يردد نقطة كانت في السابق أحد أسس خطاب الجمهوريين. وبالطبع، فقد أثارت هاريس العديد من هذه النقاط بنفسها، وذلك خلال زيارتها الحدود في ولاية أريزونا الشهر الماضي، إذ طرحت خطتَها لردع ما كان يعتبر عدداً قياسياً من مرات عبور الحدود بشكل غير قانوني ومحاكمة المخالفين المتكررين. وقاعة بلدية على شبكة «يونيفيجين» Univision في لاس فيجاس، الأسبوع الماضي، أمضت وقتاً في الحديث عن الرعاية الصحية وخفض تكلفة المعيشة.
والحقيقة أن كل ذلك لم يوقِف الانجرافَ البطيء للناخبين اللاتينيين نحو الحزب الجمهوري، والذي يعود جزئياً إلى إرث إدارة بايدن الذي يجب على هاريس تحمله. وقال مايك مدريد، استراتيجي جمهوري لاتيني ومؤسس مشارك لمشروع لينكولن المناهض لترامب: «المشكلة هي أن أمامها أياماً لتخطي سنوات من السمعة السيئة للديمقراطيين». وكمثال على ذلك، وبعد أيام قليلة فقط من قاعة هاريس البلدية، أعلنت النقابة التي تمثل نحو 18000 من عملاء دوريات الحدود تأييدَها ترامب. وانضم رئيس النقابة، بول بيريز، الذي هو من أصول لاتينية، إلى ترامب على المسرح في تجمع انتخابي في أريزونا مع نحو عشرة عملاء آخرين، وكثير منهم أيضاً لاتينيون، وقد حذَّروا مِن أنه إذا انتُخبت هاريس، «فإن كل مجتمع في هذه البلاد العظيمة سيذهب إلى الجحيم»
إيريكا د. سميث*
*كاتبة عمود في شؤون السياسة لدى «بلومبرج أوبينيون»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»