ارتفع الدَّين العالمي بنحو2.1 تريليون دولار في النصف الأول من العام الحالي إلى 312 تريليون دولار. وعلى الرغم من ضآلة حجم الزيادة مقارنةً مع النصف الأول من العام الماضي الذي سجل ارتفاعاً بلغ 8.4 تريليون دولار، فإن المؤشر الأخطر يكمن في ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت 328 في المئة، وفق معهد التمويل الدولي. وقد لوحظ أن معظم الزيادة في الدين، جاءت من أكبر اقتصادات العالم وأهمها، أي الولايات المتحدة والصين والهند. لكن اللافت في هذا السياق هو أنه على النقيض من وضع أكبر اقتصادات العالم، فإن الكثير من الدول الأوروبية، ومعها اليابان، شهدت انخفاضاً ملحوظاً في إجمالي ديونها.

كما أن روسيا التي يحتل اقتصادُها المرتبةَ السادسة عالمياً، وتعاني من تداعيات العقوبات الغربية ضدها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ومن ارتفاع الإنفاق العسكري بسبب الحرب، سجل دَينُها الخارجي انخفاضاً قدره 24.5 مليار دولار خلال تسعة أشهر من العام الحالي، ليبلغ 293.4 مليار دولار في مطلع أكتوبر الجاري، وذلك وفق أرقام رسمية صدرت عن البنك المركزي الروسي. ويشار إلى أن الدين الروسي يعادل فقط نسبة 15 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 1.9 تريليون دولار، وهو أدنى مستوى له منذ 31 عاماً، وأحد أفضل المستويات عالمياً.

ولا شك في أن العقوبات الغربية التي تعرضت لها روسيا ساهمت في خفض الدين الخارجي الروسي، وفي الوقت ذاته فإن هذه العقوبات ساعدت الاقتصاد الروسي على حماية نفسه من بعض الصدمات الخارجية، ودفعت إلى زيادة الإنفاق الحكومي، معتمدةً على القروض الداخلية في موازنة العام الحالي. وتتوقع وزارة المالية الروسية أن ينخفض العجز في موازنة العام المقبل إلى 13.03 مليار دولار (460.76 مليار دولار للنفقات مقابل 447.73 مليار للإيرادات).

لقد أظهر الاقتصاد الروسي، منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022، قدرةً غير متوقعة على النمو، وهو يحقق أداءً جيداً يفوق في بعض الأحيان أداءَ نظرائه من الاقتصادات المتقدمة، حيث سجل نمواً في العام الماضي بنسبة 3.6 في المئة، ووفق التقديرات الروسية ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المئة خلال النصف الأول من العام الحالي. فيما رجّح صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد روسيا بنسبة 3.2 في المئة لهذا العام، بما يفوق معدلات النمو المتوقعة للولايات المتحدة (2.7 في المئة) والمملكة المتحدة (0.5 في المئة)، وألمانيا (0.2 في المئة)، وفرنسا (0.7 في المئة).

وإذا كان «اقتصاد الحرب» قد ساهم في الحفاظ على استمرار نمو الاقتصاد الروسي وتوسعه، وخفف أعباء المعيشة، فإن بعض المحللين يحذرون من أن يكون هذا العامل سبباً في صعوبات خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، خصوصاً مع زيادة الإنفاق العسكري، والضغط الحاصل في سوق العمل نتيجة نقص العمالة.

ولهذا السبب أقرت الحكومة الروسية برئاسة ميخائيل ميشوستين خطةَ الموازنة للسنوات (2025–2026–2027)، والتي اشتملت على زيادة غير مسبوقة في بند الإنفاق العسكري، إذ ارتفع بنسبة 25 في المئة ليصل إلى 13.5 تريليون روبل (نحو 145 مليار دولار) في موازنة العام المقبل، وهو ما يشكل نحو 40 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي، وبما يمثل 6.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. مما يثير توقعات مختلفة بشأن مستقبل الاقتصاد الروسي، بغض النظر عن مدى استمرار عائدات صادرات الطاقة ودرجة تأثرها بالعقوبات الغربية على روسيا.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية