لم تعد الأعاصير القوية مجرد حوادث نادرة أو كوارث غريبة، أو عواصف القرن، فالتلوث الناجم عن الوقود الأحفوري يجعلها جزءاً ثابتاً من الحياة في جميع أنحاء العالم، وستزداد سوءاً مع تعرض ملايين الناس لها.
يرفض العديد من الأميركيين تصديق أن إعصاراً كبيراً قد يضربهم. ولايزال التأمين ضد الفيضانات اختيارياً بالنسبة للعديد من سكان المناطق الساحلية. ولايزال بناء المنازل وإعادة بنائها في المناطق المنخفضة المعرضة للفيضانات مستمراً. وغالباً ما تفتقر حكومات الولايات إلى الأموال والموظفين اللازمين لإدارة عملية التعافي. وبعض القروض المقدمة من وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية لإعادة البناء تكون مشروطةً بالائتمان الجيد. ولكن إذا كنا راغبين في الصمود في وجه هذا العصر الجديد من الطقس المتطرف، فيتعين علينا أن نكون صادقين بشأن ما أصبح أكثر أنواع الكوارث الطبيعية تكلفةً وفتكاً.
لقد أمضيتُ السنوات الثلاث الأخيرة في الإبحار عبر العواصف وزيارة مختبرات الأبحاث في جميع أنحاء العالم للتعرف على الزيادة الأخيرة في الأعاصير الشديدة. وتحدثتُ إلى قباطنة السفن الذين سجلوا التغيرات في تيارات خليج المكسيك والتيار النفاث والرياح التجارية ومواسم العواصف. وأجريتُ مقابلاتٍ مع علماء درسوا الأعاصير المتضخمة في المحيط الهادئ، والتي يمكن أن ينخفض ​​ضغطها الجوي إلى مستوى منخفض للغاية لدرجة أنها تسبب شبكة عنكبوتية من الزلازل. كما درستُ الأعاصير الكبرى التي ضربتْ أجزاءَ من الشرق الأوسط لأول مرة وبعض أولى الأعاصير التي ضربت أوروبا. وقد ربط الخبراء باستمرار شدةَ العواصف ومداها والدمار بثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وقالوا إنه إذا قللنا من ذلك، فإن شدة العاصفة ستقل أيضاً بنفس القدر.
وإليك لمحة عما ينتظرنا. ستؤدي الحرارة المتراكمة في المحيط، بسبب الاحتباس الحراري العالمي، إلى جعل الأعاصير المدارية تدوم لفترة أطول مما كانت عليه في السابق، وأحياناً تتحرك ببطء، مما يزيد الأضرار بشكل كبير. وستستمر التكثيفات السريعة، حيث تزداد سرعة رياح العواصف، بمقدار 35 ميلاً في الساعة أو أكثر في غضون 24 ساعة في الارتفاع، وخاصة في المياه الساحلية.
لقد أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة ييل عام 2021 أن المياه الأكثر دفئاً في الشمال والجنوب ستجذب قريباً العواصفَ الشديدة نحو القطبين، مما يهدد بإغراق المدن المكتظة بالسكان، وغير المستعدة بشكل خاص، مثل واشنطن ونيويورك وبوسطن. وقد تؤدي الهجرة باتجاه الشمال الغربي من المنطقة التي تنشأ فيها معظم الأعاصير المدارية الأطلسية إلى زيادة في هبوط اليابسة على طول الساحل الشرقي في وقت لاحق من هذا القرن.
كما أن القوى المركبة لتغير المناخ تزيد من تفاقم التأثيرات. والآن تحمل العواصف كميات أكبر بكثير من الأمطار، ويمكن أن تسقط أكثر من 40 بوصة من الأمطار في غضون أيام قليلة، كما حدث مع إعصار هارفي في هيوستن عام 2017. وتتسبب العواصف الجارفة على مستوى البحر المرتفع في فيضان السواحل بجدران مائية يصل ارتفاعها إلى 25 قدماً، كما حدث مع إعصار كاترينا في نيو أورليانز عام 2005. ولو حدثت العاصفة ساندي في عام 1912 بدلاً من عام 2012، فمن المحتمل أنها لم تكن لتغمر مانهاتن السفلى، لأن مستوى سطح البحر كان أقل بكثير آنذاك من بين أسباب أخرى، بحسب «كيري إيمانويل»، عالم المناخ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وبحلول نهاية هذا القرن، من المتوقع أن يزيد عدد الأعاصير الكبرى بنسبة 20%. وقد تكلف الأعاصير من جميع الأحجام الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار سنوياً بحلول ذلك الوقت.
إذا كنت تقرأ هذا في الغرب الأوسط أو الشمال الشرقي، أو حتى الجنوب الغربي، ففكر في أن هذا الكابوس الجوي قد يأتي إليك. أظهرت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة «فيرست ستريت»، وهي شركة أبحاث تدرس التهديدات المناخية للإسكان، أن الأعاصير ستتوغل إلى مناطق أبعد في الداخل خلال العقود القادمة، ما يؤثر في الولايات التي تعاني ظروف العواصف المدارية في أقصى الغرب مثل، آيوا وميتشيجان وويسكونسن. في ولاية كارولينا الشمالية، كانت الأضرار الناجمة عن إعصار هيلين على بعد ما يقرب من 500 ميل من الساحل تفوق بكثير الأضرار التي لحقت بموقع هبوط الإعصار في فلوريدا.
عندما ينتهي موسم الأعاصير في وقت لاحق من هذا العام، ستتجاوز وسائل الإعلام والحكومة وأميركا بشكل عام هذه العواصف وضحاياها، وستبدأ ذاكرتنا الجماعية في التلاشي. ستُترك البلدات في أبالاتشيا لمواجهة مصيرها، وسيتعين على أصحاب المنازل الذين لم يضيفوا تأمين الفيضانات، أو لم يتمكنوا من تحمله إيجاد طريقة لإعادة البناء أو الانتقال، وقد يضطر الجيران في وسط فلوريدا إلى الاعتماد على بعضهم، لإكمال العمل الذي تبدأه الحكومة الفيدرالية.
وطالما أن الأعاصير تُعامل وكأنها كوارث تحدث لمرة واحدة، فإن جهود التعافي ستلعب من الخلف. إن هذا النهج يفرغ خزائن وصفوف إدارة الطوارئ الفيدرالية سنة بعد سنة، ما يترك الضحايا في كثير من الأحيان ليدافعوا عن أنفسهم. فقبل أقل من أسبوعين، كان إعصار هيلين، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 230 شخصاً وتقديرات الأضرار التي بلغت 250 مليار دولار، أحد أكثر العواصف فتكاً وتكلفة التي ضربت الولايات المتحدة في السنوات الخمسين الماضية. ولكن بدلاً من الاستثمار في السدود والحواجز، وتحديث قواعد البناء وممرات الإخلاء، وغيرها من الاستعدادات للعواصف، غالباً ما تجد الحكومة الأميركية نفسَها غارقة في محاولة تنظيف الحطام.

بورتر فوكس
مؤلف كتاب «الفئة الخامسة: العواصف العاتية والمحيطات الدافئة التي تغذيها»

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»