فيما يشير إلى اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالإسهام في دعم الجهود العالمية للقضاء على الفقر وتعزيز التنمية المستدامة، تعد الدولة شريكاً رئيساً في جهود المنظمات الإغاثية الدولية والتكتلات الإقليمية التي تكافح الفقر، فضلاً عن جهودها الذاتية في هذا الملف، وذلك إدراكاً منها لتصدُّر الفقر والجوع قائمة أهم التحديات التي تواجهها الإنسانية، ونظراً لكون القضاء على الفقر والقضاء على الجوع هما الهدفان الأول والثاني على التوالي بين أهداف التنمية المستدامة 2030، وذلك ضمن 17 هدفاً حددتها الأمم المتحدة باعتبارها أبرز التحديات التي تواجه العالم.
ومع تنامي التحديات العالمية، وارتفاع معدلات الفقر، تشير تقديرات البنك الدولي إلى بلوغ نسبة الفقراء في العالم عند خط الفقر الدولي (2.15 دولار للشخص يومياً) نحو 9% عام 2024، مع بلوغ عدد مَن يعانون الفقر عالمياً نحو 713 مليون فرد. وفيما يشير إلى تزايد أعباء المالية العامة في الدول المثقلة بالديون، يؤكد تقرير منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأُنكتاد»، حول الدين العالمي عام 2024، أن قيمة مدفوعات الفائدة للدين العام في البلدان النامية أصبحت تتجاوز النمو في الإنفاق العام بها على قطاعات التعليم والصحة، حيث يعيش نحو 3.3 مليار شخص في بلدان تنفق على مدفوعات الفائدة أكثر مما تنفقه على التعليم أو الصحة.
وهنا تبرز أهمية إنجازات دولة الإمارات فيما يتعلق بجهودها للقضاء على الفقر عالمياً، حيث بلغت قيمة المساعدات التي قدمتها الدولة منذ تأسيسها وحتى نهاية عام 2023 نحو 95.1 مليار دولار، استفادت منها نحو 190 دولة، كما تستهدف المساعدات الخارجية للإمارات مجموعة من الدول العربية والآسيوية والأفريقية والغربية، ما يشير إلى تركيز الدعم الإماراتي على تلبية الاحتياجات الإنسانية والمشاريع التنموية حول العالم، حيث تتضمن المساعدات مجموعة واسعة من المجالات والقطاعات، كقطاعات الصحة والتعليم والسلع الغذائية والخدمات الاجتماعية وغيرها.
وفيما يعكس الدور الريادي للمؤسسات الإماراتية في هذا الملف، يؤدي «صندوق أبوظبي للتنمية» منذ تأسيسه عام 1971 دوراً حيوياً في تحقيق إنجازات بارزة في هذا المجال، حيث استثمر نحو 60 مليار دولار في 100 دولة لتنفيذ وتطوير مشاريع استراتيجية أسهمت في تعزيز جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما يبرز دور «مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، و«مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»، وكذلك «مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية»، كما قدمت «هيئة الهلال الأحمر الإماراتي» نحو 54% من إجمالي مساعداتها لدعم المبادرات التنموية العالمية، ما يسهم في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.
وفي إطار مواصلة دولة الإمارات دعمها للجهود الدولية لمكافحة الفقر، شكلت الدولة «اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة» في يناير 2017، والتي تضم في عضويتها 17 جهة حكومية على المستوى الاتحادي، بحيث تعمل على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة على الصعيد الوطني، والتنسيق مع الجهات المعنية لمواءمة ومراجعة السياسات والاستراتيجيات والمستهدفات الوطنية ومدى اتساقها مع أهداف التنمية المستدامة، وبناء وتعزيز القدرات الوطنية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومواجهة التحديات من خلال الشراكات، محلياً وعالمياً.
وتستمر دولة الإمارات في العمل مع حكومات دول العالم، في إطار توجيهات القيادة الرشيدة لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فمنذ إطلاق برنامج التبادل المعرفي الحكومي، عقدت اتفاقيات مع أكثر من 35 دولة، كما طبقت أكثر من 367 مبادرة، ما يدعم الهدف الـ17 ضمن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، والذي يركز على عقد الشراكات العالمية لتحقيق الأهداف المرجوة.
هذه الجهود المتواصلة التي تبذلها دولة الإمارات في ملف مكافحة الفقر تؤكد رسوخ الطابع الإنساني لسياستها الخارجية، والذي ينسجم مع «مبادئ الخمسين»، والتي تنص على دعم الدولة لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوّة الإنسانية، بالإضافة إلى اعتبار المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات جزءاً لا يتجزأ من التزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً، مع عدم ارتباط تلك المساعدات بدين أو عرق، أو لون، أو ثقافة.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية