تمر المنطقة بأزماتٍ شديدة التعقيد، إعادة رسم الخرائط، وترتيب المواقع، وتغيير بعض النظم والأفكار. وهي مرحلة لن تكون سهلة، وأثمان إعادة المسار نحو الإعمار بعد الدمار ستكون باهظة. عاش الإقليم لعقودٍ من الزمن تحت نيران الحروب وصدى الخطابات الطويلة، والعداوات غير المبررة. منذ حرب الخليج حاولت الدول ذات الرصانة والحكمة بعث الحكمة والحنكة في المنطقة، ولكن ما من مستجيب.
إن الحروب من دون حوار لن تلد حلاً بل تزيد من مساحات الانشقاق، وإمكانات الحروب الأهلية الطاحنة، وهذا الذي يحدث اليوم، وصوت الحكمة في المنطقة تعبّر عنه أفكار الحوار وأسس السلام.
ملايين النازحين، وعشرات الألوف من القتلى ذهبوا من أجل رهانات أيديولوجية لن تقدم لأبنائهم أي تنميةٍ، وإنما رموهم تحت النيران وذهب قادة الحرب إلى برّ الأمان، وهذه مصيبة أن تستعملهم من أجل فكرةٍ من دون الاعتبار بالتاريخ السياسي الطويل الذي يؤكد على أن الحوار هو السبيل نحو حل أي مشكلة. وتؤلمني مشاهدة الأطفال والنساء الأبرياء وهم يتجرعون مرارةَ العيش بسبب مغامرات كارثية أو أفكار تثويرية يقوم عليها مَن هم في الطائرات الخاصة والفنادق الفاخرة والمدن الآمنة.
لقد عشتُ في لبنان وترددت عليه لعدد من السنين، كان الاقتصاد فيه مضبوطاً، وكانت العملة جيدة، والناس في غاية السعادة، ومرّت سنوات من الرخاء والأمن، إذ لم تكن أي مناوشاتٍ أو محاولة استفزاز لدولةٍ ضد أخرى. الطبقة الوسطى في تصاعد آنذاك، وهذا هو الأهم. كل دولة لا تركز على تثبيت الطبقة الوسطى هي دولة فاشلة هذا هو المعيار.
أضرب مثالاً بما قاله السياسي الأميركي من أصل إيراني «ولي نصر» في كتابه عن الطبقة الوسطى، وكان مسؤولاً مع ريتشارد هولبروك الذي يعمل آنذاك في الخارجية الأميركية عن ملف «طالبان باكستان»، حيث أكد أن نقطة نمو البرازيل واليابان تكمن في التركيز على الطبقة الوسطى لأنها هي الهيكل المجتمعي الأساسي ومحور النمو الاقتصادي، وأساس الأمن السياسي. ومن دون وجود طبقة وسطى يعني ذلك أن البلد أصابه الفشل. بسبب الفساد الطاغي في الدول الفاشلة تجد الغني والفقير، ولا تجد الإنسان المتعلم الذي علمته الدولة واشتغلت عليه وأسهمت في طبابته ورعايته وصنعه.
دول ذات إمكانات قويّة ولديها أنهار وزراعة وطاقة.. لكنها لم تستفد من ذلك. اختيار الحروب العائمة ليس مناسباً للإنسان. نحن في دول الخليج اخترنا النموّ، والآن تقود دولةُ الإمارات العربية المتحدة موضوعَ الذكاء الاصطناعي، وهو أكبر تطور علمي في التاريخ، وتعمل على تنظيم مؤتمراتٍ عالمية عالية المستوى، وتحدد مسارات علمية قوية، والدول الآن تعمل على تنمية العقل لا استعمال العضلات، وهنا يكمن الفرق بين الدولة والأيديولوجيا.
والخلاصة، أن الأفكار العلمية هي الحل، والحوار في ظروف الحروب ضروري. لقد تحاور هتلر مع أعدائه، وتحاور تشرشل مع خصومه.. ومن المهم اللجوء إلى سبيل الحكمة من أجل تجنيب المنطقة المزيدَ من الأزمات. ثمة مشاريع تنموية، واقتصاد صاعد. لا يجب أن يسلم الناسُ أنفسَهم لهذه الجماعات التي غزت العالَمَ، بل وتحاول إعادة أفكار التثوير. والحل الآن في الرجوع إلى مفهوم الدولة وأفكار السلام والحوار والتنمية.
*كاتب سعودي