في إطار جهود دولة الإمارات المستمرة لتعزيز مكانتها كقوة رائدة في مجال التكنولوجيا والفضاء، جاء قرار مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بإنشاء «المجلس الأعلى للفضاء» كخطوة محورية تهدف إلى تعزيز البنية التحتية لقطاع الفضاء وتنظيمه على نحو يخدم المصالح الوطنية والاستراتيجية للدولة.
وتأتي هذه الخطوة في سياق رؤية طويلة المدى تسعى من خلالها الدولة إلى تحقيق السيادة التكنولوجية والاستقلالية في هذا القطاع الحيوي.وانعكاساً للاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة لهذا الملف الاستراتيجي، تم تعيين سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيساً للمجلس، فالأمر لا يتعلق فقط بتنظيم القطاع، بل يتعداه إلى بناء قدرات وطنية تمكّن الإمارات من تحقيق دور قيادي في قطاع الفضاء، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. ويضم المجلس في عضويته وزراء ومسؤولين بارزين، مثل: وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة ووزير الاقتصاد، ما يؤكد على الشمولية والتكامل بين مختلف القطاعات الحيوية في الدولة لدفع عجلة هذا المشروع الطموح. ومن أهم الأهداف التي يسعى المجلس إلى تحقيقها ضمان سيادة الإمارات التكنولوجية في مجال الفضاء.
ويأتي ذلك من خلال اعتماد السياسات العامة، التي تنظم هذا القطاع والأنشطة ذات الصلة، إلى جانب تحديد الأولويات الوطنية فيما يتعلق بالتقنيات المستهدفة. ويبدو جليّاً أن الدولة تدرك أهمية بناء منظومة فضائية مستقلة وقادرة على المنافسة، ليس فقط على صعيد إطلاق الأقمار الصناعية أو الاستكشافات العلمية، بل أيضاً من خلال بناء قاعدة صناعية تكنولوجية تضمن استمرارية التطور والنمو في هذا المجال. ويعكس التركيز على الأمن الفضائي- كأحد اختصاصات المجلس- الوعي المتزايد بأهمية هذا البُعد في السياسة الدولية. فالفضاء لم يعُد مجرد ساحة للاستكشاف العلمي، بل تحول إلى مجال استراتيجي تتنافس فيه الدول الكبرى، ومع تزايد الاعتماد على الفضاء في مجالات الاتصالات والمراقبة والاستخبارات، يصبح الأمن الفضائي ضرورة لا غنى عنها لأي دولة تطمح للريادة. ولذلك، سيتولى المجلس اعتماد خطط واستراتيجيات تهدف إلى تحقيق هذا الأمن بالتعاون مع الشركاء الدوليين. ويعكس هذا التوجه استعداد دولة الإمارات للمشاركة في حوار عالمي حول قضايا الفضاء، مع المحافظة على مصالحها الوطنية.
ومن بين المهام الرئيسية للمجلس اعتماد مخطط شامل لإدارة البنية التحتية والمرافق الفضائية، وهو ما يفتح المجال لتكامل الجهود بين القطاعات المختلفة في الدولة لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه البنية التحتية. من هنا، يمكن التنبؤ بأن المجلس سيعزز الشراكات مع القطاع الخاص والعام، ما سيسهم في زيادة الاستثمار في التكنولوجيا الفضائية، ويعزز من فرص الإمارات لتصبح مركزاً إقليمياً للتكنولوجيا والابتكار.
ولا يمكن تجاهل الأبعاد الاقتصادية لهذا القرار، فاعتماد أولويات الاستثمار والاستحواذ للقطاعين العام والخاص في مجال الفضاء يمثل خطوة ذكية نحو استغلال الفرص الاقتصادية الضخمة التي يقدمها هذا القطاع، ويُتوقع أن تسهم هذه السياسات في تحفيز الابتكار وتطوير الصناعات الفضائية المحلية، ما سيوفر فرص عمل جديدة ويعزز الاقتصاد الوطني.
وبناءً على هذا النهج، يمكن استشراف أن الإمارات ستصبح لاعباً رئيسياً في اقتصاد الفضاء العالمي، خاصة مع تطلعها إلى بناء شراكات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. إن قرار إنشاء «المجلس الأعلى للفضاء» يعكس رؤية مستقبلية طموحة تهدف إلى تعزيز مكانة الإمارات على الساحة الدولية في مجال الفضاء، الذي بات ساحة تنافس جيوسياسي. وإدارة الإمارات لهذا الملف بحكمة ستعزز من نفوذها. ومن خلال بناء القدرات وتطوير التشريعات، تضمن الإمارات أن تكون في طليعة الدول المستفيدة من التكنولوجيا الفضائية، ما يفتح أمام الدولة آفاقاً واسعة لتعزيز الاقتصاد واستراتيجيات الأمن الفضائي، والمكانة السياسية في المستقبل.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.