هبّت دولة الإمارات العربية بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لإغاثة لبنان بمبادرةٍ كبيرةٍ غطّت الاحتياجات الأساسية في الصحة والغذاء والمأوى، وتوقعات نُذُر الشتاء. كانت الدول والمؤسسات الدولية والجهات الخيرية قد قدّرت المتطلبات بحوالي أربعمائة وأربعين مليون دولار، منها مائة تستحق الآن. وعندما حصلت المبادرة الإماراتية سارع للإشادة بها رئيس الحكومة ووزراء الصحة والبيئة والإعلام في لبنان، لاشتداد الحاجة إليها، ورعايةً للجميل وإشادةً بالأخوّة والإنسانية العالية، إذ إنها غطت المطلوب، كما أنّ الجهات الإماراتية فتحت الباب لمواطنيها والمقيمين فيها للتبرع أيضاً.
والحقُّ أنّ دولة الإمارات منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كانت تبادر قبل أن يُطلب منها، سواء في الدبلوماسية أو في إعادة الإعمار أو في جهود التعليم والتنمية. ففي تسعينيات القرن الماضي، ولكي لا أذهب بعيداً، كانت مساهمة دولة الإمارات بارزة في إعمار المؤسسات التربوية والجامعية اللبنانية. ثم إنها باشرت جهوداً استمرت لوقتٍ قريب في التنمية الريفية، وحلّ مشكلات المياه للزراعة والشرب. كما التفتت للمؤسسات الخيرية المعنية بالأيتام والعجزة، وللمستشفيات والمراكز الصحية. وازدادت هذه الجهود تعدداً وتنوعاً عقب اندلاع حرب عام 2006، إذ سارعت الإمارات إلى بذل الجهد الدبلوماسي مع الدول العربية الأخرى من أجل استصدار القرار الدولي رقم 1701، ثم كثفت المساعدات لإعادة الإعمار.
وما توقفت دولة الإمارات أمام اعتبارات الطوائف أو المناطق، بل ازداد الحرص على المزج بين جهود الإغاثة والمشروعات التنموية في شتى المجالات. كما اهتمت دولة الإمارات بالملف الديني، فرعتْ 1200 واعظاً بكل الاحتياجات والتأمين الصحي على مدى خمس سنوات، وذلك دون أن تتوقف وجوه الدعم الأخرى في مجال التنمية الريفية، وبناء المستشفيات والمراكز الصحية والتعليمية. ومنذ عام تقوم دولة الإمارات بمبادراتٍ كبرى في المجالات الإغاثية وفي دعم المراكز الصحية وتزويد المستشفيات في قطاع غزة، ومد القطاع بوسائل الإيواء. وكانت تلك الجهود ولا تزال عن طريق البحر والبر والجو، إضافةً لاستقدام آلاف الأطفال المصابين وذوي الأمراض المزمنة مع عائلاتهم لتلقي العلاج والرعاية الدائمة في دولة الإمارات. إنها الأزمة الخامسة أو السادسة التي تسارع فيها دولة الإمارات لإغاثة لبنان.
ولا يزال رجالات الدولة والمجتمع في لبنان يذكرون مبادرة الإمارات عام 1976 بإرسال كتيبة عسكرية للمشاركة في قوات الردع العربية لإنهاء النزاع الداخلي والحرب الأهلية. ثم توالت المساعي السياسية والدبلوماسية بعد عام 1982، مع الدول العربية والجهات الدولية، لاستعادة الأمن ولإعادة إعمار مؤسسات الدولة اللبنانية كما سبق أن ذكرت. نحن ندرك، وسائر العقلاء، أنّ هذه الحرب التي انطلقت من غزة ولبنان ما كان لها مسوِّغ، وأنّ الجهة أو الجهات التي غامرت بإطلاقها ما اهتمت بحماية المدنيين ولا البيئات التي تعتبرها حاضنة. ودائما تبادر دولة الإمارات والدول العربية للعون والمساعدة والإغاثة، أخوّةً ورحمةً بالمدنيين وفي المقدمة منهم الأطفال والنساء وكبار السن.
عندما كان وزيرَا البيئة والصحة اللبنانيان يستقبلان الطائرات الإماراتية الجالبة للمساعدات في مطار بيروت، كانا يُشيدان بهذه المروءة وهذا الوعي العارم بالضرورات الإنسانية. وعلى الجهات المسؤولة عن هذه الحروب أن تكون أكثر حرصاً على سلامة المواطنين اللبنانيين، وعلى رعاية استقرارهم وحياتهم الإنسانية، فلا دولة يقرر غيرُها مسائل الحرب والسلم على أرضها!
*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية