في علامة جديدة على رشادة السياسة المالية لدولة الإمارات العربية المتحدة، أظهرت الخطة المعتمدة للميزانية العامة للاتحاد للسنة المالية 2025 ازدهاراً ملموساً في القيم المقدرة لبنود الميزانية، وكفاءة واضحة في إدارة وحوكمة المصروفات والإيرادات العامة، وفعالية ملحوظة في تحقيق المرونة والتوازن والاستدامة في الأدوار التنموية للحكومة الاتحادية في الاقتصاد الوطني.

وبشكل أكثر توضيحاً، فقد جاء اعتماد مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب، رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، لهذه الخطة المالية، التي تتساوى فيها الإيرادات المتوقعة مع المصروفات التقديرية بقيمة تبلغ 71.5 مليار درهم، ليرسخ مبدأ توازن الميزانية العامة للاتحاد عاماً بعد آخر، وليكشف عن قدرة اقتصادنا الوطني على توليد إيرادات عامة تعزز دور الحكومة في تحقيق المبدأ الأول من مبادئ الخمسين والمتمثل في تقوية الاتحاد كأولوية جوهرية للدولة.

وفي الوقت الذي رفع فيه مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي توقعات النمو لمستوى 4% للعام 2024، فإن الاقتصاد الوطني على موعد مع ميزانية اتحادية هي الأكبر في تاريخ الاتحاد، ما يجعلها قادرة على تحفيز قوى النمو الاقتصادي العام المقبل 2025، كنتيجة لتوسعها في الإنفاق الاتحادي الجاري والاستثماري، أو لدورها في تطوير منظومة الضرائب التنافسية لتحفيز القطاع الخاص على قيادة أنشطة الاستثمار والإنتاج والتصدير خلال العام القادم.

ولعل ما يؤكد الدور البالغ الأهمية للميزانية الاتحادية المعتمدة لعام 2025 في دعم قوى النمو الاقتصادي، هو أنها قد خصصت ما نسبته 39% من مصروفاتها، وبقيمة تبلغ 27.8 مليار درهم، لقطاع التنمية الاجتماعية والمعاشات.

فبالإضافة لكون هذا الإنفاق يحافظ على التماسك المجتمعي ويعزز العدالة الاقتصادية والاجتماعية، فإنه يدعم بقوة الإنفاق الاستهلاكي المحلي المولد للنمو الاقتصادي السنوي. كما يمكن القول إن حصة تناهز 35.7% من المصروفات الاتحادية للعام 2025 ستموّل قطاع الشؤون الحكومية كفيلة بإحداث المزيد من التحسن في إنتاجية الحكومة الاتحادية وترقية قدراتها التكنولوجية وتسريع تحولها الرقمي، ليصب كل ذلك في تطوير ما تقدمه من خدمات تنافسية مسرعة للنمو الاقتصادي.

وبالتوازي مع ذلك، سيكون للإنفاق الاستثماري للحكومة الاتحادية في القطاع المالي بنحو 4% وفي قطاع البنية الأساسية بنحو 3.6% فاعليته في تحقيق المزيد من التطوير والتهيئة لبيئة الأعمال الوطنية وتعزيز نمو القدرات الإنتاجية والابتكارية. وإذا كانت الحوكمة الرشيدة هي روح الميزانية الاتحادية المعتمدة للعام المقبل 2025، فإن النظام الضريبي لدولة الإمارات شديد التميز والتنافسية، إقليمياً وعالمياً، وهو يظل الضمانة الأولى لكي تتمكن هذه الميزانية من تحقيق غاياتها التنموية.

فمن خلال ما يوفره هذا النظام من مرونة وكفاءة وموثوقية، باتت بيئة الأعمال في دولة الإمارات وجهة إقليمية مفضلة للاستثمارات الأجنبية، وأمكن لشركات القطاع الخاص المحلي أن تحقق ازدهاراً مستمراً في ربحيتها، لينعكس ذلك على حصيلة ضريبية مزدهرة بلغت نحو 173.6 مليار درهم بنهاية عام 2023، ولتترسخ في ضوء ذلك الاستدامة المالية في الموازنة الاتحادية عاماً بعد آخر .

وعلى ضوء الحقائق المالية والاقتصادية السابقة، وكنتيجة مباشرة لسياسة مالية متوازنة ومستدامة ومصممة بكفاءة وإحكام، كان من الطبيعي أن تحصد دولة الإمارات المركز الأول عالمياً في مؤشر توازن ميزانية الحكومة والناتج المحلي الإجمالي ضمن تقرير مؤشر الازدهار لعام 2023.

ومع استمرار النهج المتوازن للسياسات المالية في دولة الإمارات، من المتوقع أن الميزانية الاتحادية لعام 2025، ستقوم بدور كبير في تعزيز اتجاه النمو الاقتصادي لوجهته المنشودة في ظل الرؤى الرصينة لقيادتنا الرشيدة، التي لا توفر أي جهد لتحقيق المزيد من الإنجازات في المجالات كافة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.