يسعى العراق لتعزيز سيطرة البنك المركزي على سوق الصرف بشكل كامل، وإحكام الرقابة على التحويلات الخارجية، وسط قرار اتخذه البنك بإلغاء «نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية»، من دون أن يحدد تاريخ بدء تنفيذه، وقد ربطه باعتماد المصارف الأهلية على المراسلة مع البنوك الدولية وطريقة تحويل العملة. وبما أن المصارف العراقية لا تمتلك «المراسلة»، وغير معتمدة في الخارج، يجب التمهيد لتنفيذ هذا القرار بتصنيف هذه المصارف من قبل الوكالات الدولية لتصنيف الائتمان، بما يؤهلها للتعامل مع البنوك الدولية.
وتراهن الحكومة العراقية على نجاح خطة «المركزي»، تمهيداً لإنهاء العمل بـ«المنصة الإلكترونية» للتحويلات الخارجية، والتي تخضع لرقابة البنك الفيديرالي الأميركي الذي فرض عقوبات على 18 مصرفاً عراقياً، لقيامها بعمليات غسيل أموال وتهريبها إلى الخارج، وذلك ضمن اتفاق سياسي شاركت فيه الولايات المتحدة.
ومن أبرز شروط الاتفاق منع تهريب الدولار أو تحويله عن طريق المصارف التي تسيطر عليها أحزاب سياسية. وانطلاقاً من أن واشنطن تمتلك سلطتها الخاصة على الدولار، كونها تنتجه وتصدره، وبما أن عائدات النفط العراقي تودع لدى البنك الفيديرالي الأميركي، والذي يلبي سحوبات بغداد ويغطي «مزاد العملة»، فقد اتخذ بدوره إجراءاتٍ تفرض شروطاً مشددةً تلزم الجانبَ العراقي بعرض قوائم أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة من «الدولار المباع» للموافقة عليها.
وإذا كان فريق من العراقيين، ضِمنهم محافظ البنك المركزي علي العلاق، قد رحبوا في مطلع العام الماضي بتطبيق «المنصة الإلكترونية»، مؤكدين بأنها تضمن سلامة التحويل ودقتها وفق المعايير والممارسات الدولية، فإن فريقا آخر وصف المنصة بأنها «اختراق لسيادة العراق النقدية»، ورأوا فيها استهدافاً للاقتصاد العراقي لصالح الجانب الأميركي. لكن هل بانتهاء العمل بهذه «المنصة»، والمرتقب أواخر العام الحالي، يستعيد العراق «سيادته النقدية»؟
لقد بدأ البنك المركزي العراقي مرحلة جديدة من عمليات التحويل الخارجي بمشاركة 13 مصرفاً عراقياً، في خطوة تمهيدية ترمي إلى تعزيز تنوع العملات وتسهيل عمليات التحويل الدولي. ويشمل ذلك عملات: اليورو، واليوان الصيني، والروبية الهندية، والدرهم الإماراتي. على أن تقوم شركة تدقيق دولية بمراجعة عمليات التحويل، لضمان سلامتها وامتثالها للمعايير الدولية.
وخلال مباحثات جرت مؤخراً في واشنطن، تم الاتفاق على تكوين فريق من الأطراف الثلاثة (البنك المركزي العراقي، ووزارة الخزانة الأميركية، والبنك الفيديرالي الأميركي) لمراجعة التقارير من مختلف المصادر التدقيقية، للوقوف على طبيعة كل مخالفة، مع تحديد الإجراء التصحيحي المطلوب، لكي تكون المصارف في وضع سليم. وضمن هذا الإطار، ستتم معالجة أوضاع المصارف المعاقَبة والمحرومة من التعامل بالدولار، وذلك من خلال تشكيل لجان تتولى مهمة التدقيق وإجراء إصلاحات داخل هذه المصارف بإشراف البنك المركزي العراقي. وهذا مع العلم بأن التحقيقات التي تشمل المصارف المخالفة ستخضع للتدقيق من قبل شركة أميركية، على أن تعرض نتائجَها على الحكومتين العراقية والأميركية، لاتخاذ قرار بشأنها.
وفي الوقت نفسه، بدأ العراق إعادة هيكلة المصارف العاملة ضمن خطة إصلاح واسعة، وتم تكليف شركة دولية لرسم خريطة طريق وتحديد الإجراءات التي يجب تنفيذها، لا سيما لجهة جذب استثمارات جديدة، وبغية تحديث منظومة المصارف الحكومية تحديداً، خصوصاً أن هناك موافقات وإشارات مبدئية من قبل بعض البنوك الكبرى في المنطقة للدخول كشركاء استراتيجيين، الأمر الذي يساعد إدارات المصارف العراقية على الارتقاء بمستواها الفني والتقني، تمهيداً لنيل ثقة العالم وتعاملاته.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية