الصحاري الأفريقية الواسعة تصعب حراستها بشكل دقيق وكامل من قبل الدول التي تملكها، وهي جميعها تقع في دول كانت مستعمرة من قبل دول أوروبية غربية. في منتصف تسعينيات القرن العشرين تم اكتشاف عملية طمر كمية ضخمة من النفايات يبلغ وزنها، وفقاً لتقديرات السلطات في الدولة العربية الأفريقية بنحو خمسة عشر ألف طن. النفايات هي لرماد خارج من محروقات كيميائية، وقادم من مدينة صناعية تقع في إحدى دول أميركا الشمالية نقلت للدولة المعنية في أفريقيا عبر البحر في حاويات ضخمة، وتم نقلها براً إلى الصحراء، حيث تم دفنها. ووفقاً لوكالة حماية البيئة في الدولة التي وفدت منها النفايات الرماد الخارج من هكذا محارق يحتوي على مواد خطيرة كالمعادن الثقيلة، «وهو مصطلح دارج لعدة معادن مشعة كالكادميم»، ومواد سامة ومشعة.
الشعوب الغربية تدرك جيداً مخاطر هذه النفايات على بيئتها المحلية، لذلك هي لا ترغب في التخلص منها على أراضيها، وعليه فهي تشحنها على ظهر السفن وتبحث عن أماكن بعيدة جداً تبعد تسعة آلاف كيلو متر، أو يزيد على بلدانهم إلى صحاري أفريقيا. ولكي يتأكد أن البشر المحليين لا يمانعون في دفنها في أراضيهم، قاموا بوصفها بأنها مخلفات مواد بناء. ومن المحتمل أن يستخدم هذا الرماد في أعمال البناء، لكن من المنطقي الافتراض بأنها ليست مواد بناء معهودة، أو شائعة الاستخدام. ولكي تتضح الصبغة العالمية للحادث أن النفايات كانت قد رُحّلت على ظهر سفينة مملوكة لدولة أوروبية.
وفي أعقاب اكتشاف طبيعة الرماد المشع قامت السلطات في الدولة العربية الأفريقية باستدعاء سفير الدولة الأوروبية صاحبة السفينة، حيث شرع في طرح تبريرات وتقديم الاعتذار وعرض قدر من المعونات كتعويض. وربما أن هذه الواقعة غير مهمة بحد ذاتها أو تفاصيلها، لكن المهم فيها كعبرة هو أن من الواضح أن شعوب بعض الدول لا يهمها الآخرون، وهم مستعدون لتلويث أراضي الآخرين في سبيل حماية أراضيهم وأنفسهم.
ومن هذا المثال يمكن رؤية أن ملوثات معينة حديثة الظهور يمكن أن تكون سبباً في تلويث البيئة العالمية بفعل البشر. هذا بالإضافة إلى أن طبيعة التجارة العالمية الحديثة العابرة لحدود الأوطان تتيح للمخلفات الخطيرة الآتية من العالم الصناعي الانتقال إلى الأقطار النامية والفقيرة بسهولة ويسر لكي تلوث جميع مناطق العالم تحت مسمع ومرأى البشرية جمعاء، دون عدل أو إنصاف، أو وازع من ضمير.
لكن في حين أن تجربة المعاناة من التلوث وأنواع الدمار البيئي أصبحت عالمية الطابع دون وجود مساواة، فإن بقية القصة توضح عدم مساواة أكبر من زاوية أن بعض شعوب العالم تقوم بتسبب أكبر في التلوث وفي خسارة القيم البيئية مما يفعله الآخرون. البشر الذين يتسببون في المزيد من التلوث يجنون المزيد من المصالح والفوائد الشخصية من كل وحدة من الوحدات المسببة في التلوث. على سبيل المثال يتسبب الأوروبيون في تلوث أكثر مما يتسبب فيه الأفارقة، لأن الأوروبيين يمكنهم اقتناء معدات رفاهية أكثر حداثة وتطوراً كنوع السيارات مثلاً. بعبارة أخرى المجتمعات الغنية هي الأكثر تلويثاً للبيئة.
وفي المجمل، في حين أن التلوث والدمار البيئي أمران منتشران على نطاق واسع كتجربة بشرية جديدة، إلا أن أصولهما وتوزيعهما حول العالم أقل تساوياً. في بعض الأوقات أولئك الذين يتسببون في المشاكل البيئية ومشاكل التلوث ويستفيدون منها هم جهات ودول غنية وقوية بما فيه الكفاية لكي يتمكنوا من إبعاد التأثيرات السلبية عن أنفسهم والقيام بإلصاقه بالآخرين. ووفقاً لهذه الحقيقة يمكن تصور العديد من الأبعاد لعولمة المشاكل البيئية، اعتماداً على كيف، ولماذا ينتشر الأذى البيئي في عالمنا المعاصر.
*كاتب إماراتي