يظل الصراع العربي الإسرائيلي، أو بالأحرى الفلسطيني الإسرائيلي، أحد أكثر القضايا تعقيداً واستعصاءً على الحلول السطحية، أو المعالجات المؤقتة.
ورغم محاولات التسوية العديدة، فإن الواقع يثبت أن هذا الصراع لن ينتهي دون ضمان حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير. وعليه فإن القوة العسكرية التي تعتمد عليها إسرائيل، وتفوقها الواضح في هذا المجال، ليست سوى أداة لتأزيم المشكلة. فالقوة تولد العنف والغضب، وغالباً ما تنقل هذا الغضب من جيل إلى جيل آخر يورِّثه للأجيال اللاحقة.
وإسرائيل، بدلاً من أن تبحث عن حل شامل وعادل، تعتمد على استراتيجية فرض الحلول من خلال القوة، وهي بذلك تراهن على كسر إرادة الشعب الفلسطيني، من خلال الحصار والقصف والتدمير والتجويع.. لكن ما تتجاهله هذه الاستراتيجية هو أن الشعب الفلسطيني، مثله مثل أي شعب تحت الاحتلال، لا يمكن أن يتخلى عن حقه في الحرية والاستقلال. أما التفوق العسكري في المجال التقني والنيراني، فقد يخضع الأجساد لفترة مؤقتة، لكنه يعجز عن السيطرة على الأفكار والعقول والأجيال الجديدة التي تنمو في ظل هذا القمع المسلح، وهي أجيال غاضبة وناقمة، وتبحث عن العدالة والكرامة، رغم جبروت القوة العسكرية الساحقة الماحقة.
ولتحييد الغضب، ووقف نزف الدم الذي يولد الانتقام، لابد من حل نهائي يضمن قيامَ دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، كما أن الحلول المؤقتة، ومحاولات احتواء القضية، من خلال اتفاقات جزئية، كما رأينا في العقود الماضية، كل ذلك لم يقد سوى إلى إطالة أمد الصراع، وتعميق الجراح.
الشعب الفلسطيني يملك حق تقرير المصير كأي شعب آخر، وهذا الحق لا يمكن أن يكون مادة تفاوض، بل يجب أن يكون حجرَ الزاوية في أي تسوية دائمة.
وبالنظر إلى تصاعد التيارات الراديكالية، خصوصاً التيارات الدينية وتنظيماتها المسلحة، فإن غياب الأمل في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية لن يؤدي إلا إلى تغذية هذه تيارات التطرف، دينية أو غير دينية، إذ تجد في هذا الوضع بيئةً خصبةً في ظل الظلم والقهر. وعندما يحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية، تجد هذه التيارات فرصتها لكي تصبح الصوت الأعلى الذي يَعِد الشبابَ بالعدالة ولو عن طريق القوة، لكن وجود دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، سيساهم في نزع فتيل هذا الغضب، وسيمنح الأجيال الفلسطينية القادمة أملاً حقيقياً في مستقبل مختلف.
وعلى الجانب الآخر، لا يمكن الحديث عن حل شامل دون التطرق إلى الحالة الداخلية في إسرائيل. فالتطرف اليميني الذي يعادي أي تسوية سلمية يمثل عقبةً كبرى أمام التوصل إلى حل عادل. وهذا التطرف الذي يغذي العداء تجاه الفلسطينيين، ويبرر استخدامَ العنف كحل دائم، يجب أن يشهد انزياحاً مقابل انزياح التيارات المقابلة له في الطرف الفلسطيني. وإذا كانت إسرائيل تسعى حقاً إلى الأمن والسلام، فإنها بحاجة إلى إعادة النظر في سياساتها الحالية والانخراط بجدية في البحث عن تسوية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وتمنح المنطقة فرصة حقيقية للسلام.
في النهاية، يظل الحل النهائي لهذا الصراع معلقاً على إرادة سياسية حقيقية من كلا الطرفين، لكن يجب أن يكون واضحاً أن القوة لن تفرض سلاماً مستداماً، وإنما ذلك يكون فقط عبر الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وتوفير أمل حقيقي في قيام دولة فلسطينية، يمكن وقف دائرة العنف والانتقام التي استنزفت المنطقة لعقود.