وسط اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالدور المحوري الذي تقوم به الطاقة النووية في مجال خفض البصمة الكربونية، وتحقيق الحياد المناخي، وضعت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى الولايات المتحدة أسساً جديدة للتعاون مع واشنطن في مجال تكنولوجيات الطاقة المتقدمة، والتي أُعلن عنها أثناء لقاء سموه مع الرئيس الأميركي، جو بايدن في البيت الأبيض في 23 سبتمبر 2024. 
وقد تضمن البيان المشترك الذي تناول تفاصيل هذا اللقاء الإعلان عن عدد من مبادرات التعاون بين الدولتين؛ لضمان الانتقال السريع نحو الطاقة النظيفة، والإسهام في حلولها عالميّاً، ومن بينها ما يتعلق تحديداً بالطاقة الاندماجية النووية، كأحد الحلول الواعدة لمواجهة تغير المناخ وتعزيز أمن الطاقة العالمي. وقد تضمن البيان الإعلان عن استثمار شركة «بيلينث إنيرجي» الإماراتية في شركة «زاب إنيرجي» الأميركية العاملة في مجال تطوير محطات الطاقة الاندماجية صغيرة الحجم ذات الجدوى الاقتصادية والكفاءة العالية. ومن الجدير بالذكر، أن شركة «بيلينث إنيرجي» تُعد صندوقاً حكوميّاً في إمارة أبوظبي، أنشئ للتركيز على تكنولوجيات الطاقة الاندماجية وسلاسل توريدها.
ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن الطاقة الاندماجية التي تستخدم الهيدروجين كوقود ولا تولِّد أي انبعاثات كربونية، كانت على الدوام طموحاً قد يغير مشهد الطاقة النظيفة في المستقبل، وهي تتفوَّق بمراحل على مصادر الطاقة الأخرى، في كون أن الكيلوجرام الواحد من وقود الهيدروجين يولد طاقة تكافئ 10 ملايين كيلوجرام من الوقود الأحفوري. وتعتمد هذه الطاقة على مبدأ العمل نفسه في طاقة الشمس والنجوم، حيث تندمج ذرات الهيدروجين تحت درجات حرارة مرتفعة للغاية ومستويات ضغط شديدة، ما ينتج منه عنصر الهيليوم وكميات ضخمة من الطاقة، وبالتالي يعد الاندماج مصدراً واعداً ومستداماً وغير محدود، يمكن معه تأمين احتياجات العالم من الطاقة النظيفة ولمئات الأعوام المقبلة.
وتأكيداً على أهمية الطاقة الاندماجية النووية، أصدرت رابطة صناعة الاندماج «إف آي إيه» في يوليو 2024، وهي منظمة غير ربحية مقرُّها واشنطن، تقريراً سلطت فيه الضوء على تجاوز الاستثمارات العالمية في هذه الطاقة 7.1 مليار دولار حتى منتصف العام 2024، مع وجود ما يقارب 45 شركة عالمية تعمل حاليّاً في مجالها، وفي دول مثل المملكة المتحدة، وألمانيا، واليابان، والصين، مع ريادة للولايات المتحدة بنحو 25 شركة.
ويأتي استثمار شركة «بيلينث إنيرجي» الإماراتية في الطاقة الاندماجية تعزيزاً لطموحات دولة الإمارات فيما يتعلق بالطاقة النووية السلمية، وبما يترجم رؤية القيادة الرشيدة في أن تكون الدولة إحدى البيئات العالمية الواعدة في حلول طاقة الاندماج الواعدة وتكنولوجياتها الناشئة. وتتماشى توجهات الإمارات نحو الطاقة الاندماجية مع السياسة الشاملة التي أطلقتها الحكومة في عام 2008 لتطوير مصادر الطاقة النووية السلمية في الدولة، والتي تكللَّت في سبتمبر 2024 بإنجاز تاريخي، تمثل في بدء التشغيل التجاري للمحطة الرابعة ضمن محطات براكة للطاقة النووية، التي ستنتج في مجملها نحو 40 تيراوات في الساعة من الكهرباء النظيفة سنويّاً، كخطوة ستوفر للدولة نحو 25% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية، وضمن إمدادات مستقرة من الطاقة تمتد حتى 60 عاماً.
وسيدعم التوجهات الإماراتية في مجال الطاقة الاندماجية تعهد الدولة مع 24 دولة أخرى بالعمل على مضاعفة مصادر الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050 على مستوى العالم، والذي تم على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخي «كوب 28»، والذي استضافته الإمارات العام الماضي.
إن مساعي دولة الإمارات نحو الطاقة الاندماجية سيدعم مسيرتها في خفض البصمة الكربونية، والوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050، وتلبية احتياجاتها من الطاقة النظيفة والموثوقة بما يخدم نمو الاقتصاد في العقود المقبلة، والتقدُّم في حلول الذكاء الاصطناعي التي تحتاج بشدَّة لمصادر الطاقة، وهي كلها أمور ترسِّخ بالتأكيد الدور العالمي لدولة الإمارات في التكنولوجيات المتقدمة للطاقة النووية السلمية، ويبرزها كنموذج عالمي يحتذى به في هذا القطاع الحيوي. 

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية