ما الذي أفكر فيه في هذه الذكرى السنوية للحرب بين «حماس» و«حزب الله» وإيران وإسرائيل؟ هناك شيء علّمني إياه أستاذي في مادة الاستراتيجية البروفيسور جون أركيا في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية: أن جميع الحروب تتعلق في نهاية المطاف بسؤالين أساسيين هما: من يربح المعركة على الأرض؟ ومن يربح معركة القصة؟ وما أفكر فيه اليوم هو كيف أنه حتى بعد عام من الحرب، التي ألحقت فيها «حماس» و«حزب الله» وإسرائيل ألماً فظيعاً بقوات بعضهم البعض وبالمدنيين، لم يربح أحد بشكل حاسم المعركة على الأرض أو معركة القصة.

فبعد مرور عام على السابع من أكتوبر، ما زالت هذه الحرب العربية الإسرائيلية الأولى من دون اسم وبدون منتصر واضح؛ لأنه لا أحد من الطرفين لديه انتصار واضح أو قصة واضحة. والواقع أنه يمكننا وينبغي لنا أن نتعاطف مع حقيقة أن الفلسطينيين ليست لديهم دولة ومع العرب الذين يعيشون تحت وطأة المستوطنات والقيود الإسرائيلية في الضفة الغربية، غير أنني أعتقد أنه لا يوجد مبرر لما فعله مهاجمو «حماس» في 7 أكتوبر.

وإذا كنتَ تعتقد أن الحل الوحيد هو دولتان لشعبين من السكان الأصليين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، فإن ما ارتكبته «حماس» من أعمال فظيعة يؤخر ذلك بشكل كبير جداً. ثم ما هي القصة التي ترويها إيران؟ هل أن لديها حقاً ما بموجب ميثاق الأمم المتحدة في المساعدة على إنشاء دول فاشلة في لبنان وسوريا واليمن والعراق حتى تتمكن من زراعة وكلاء لها داخلها بغرض تدمير إسرائيل؟ وبأي حق جرّ «حزب الله» لبنان إلى حرب مع إسرائيل لم يكن للشعب اللبناني وحكومته أي رأي فيها، وها هو يدفع الآن ثمناً باهظاً فيها؟

غير أن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تملك قصة نظيفة في قطاع غزة أيضاً. والحقيقة أن هذه الحرب كانت ستكون دائماً الأبشع من بين الحروب الإسرائيلية الفلسطينية منذ عام 1947، لأن «حماس» تختبئ في أنفاق تحت منازل غزة ومدارسها ومساجدها ومستشفياتها. ولم يكن من الممكن استهدافها من دون وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. ولهذا، وكما قلتُ منذ البداية، كان من واجب إسرائيل المضاعف أن تؤكد أن هذه الحرب لم تكن حرباً للدفاع عن نفسها فحسب، ولكن أيضا لتدمير «حماس» من أجل ولادة شيء أفضل: الحل العادل الممكن الوحيد الذي يضمن الاستقرار، ألا وهو حل دولتين لشعبين. حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضت بشدة أن تفعل ذلك، لدرجة أنها لم تخبر بعد شعبها أو جيشها أو مورّد أسلحتها الأميركي، رغم مرور عام، ما الذي تريد بناءه في غزة بدلاً من «حماس» غير «النصر الكامل».

ومع استمرار إسرائيل في قصف المدارس لقتل بعض مقاتلي «حماس» المختبئين داخلها وفشلها في توضيح أي مستقبل تريده لسكان غزة عدا الحرب الدائمة، يبدو وكأن قتل كل عضو في «حماس» هو الهدف، مهما بلغ عدد المدنيين الذين يموتون. وهو ما يجعلها حرباً أبديةً ستقوّض مصداقية إسرائيل وأميركا على حد سواء وستحرج حلفاء إسرائيل العرب.

بيد أن عدم وجود قصة جيدة يضر إسرائيل بطرق أخرى. ذلك أن الإسرائيليين يُطلب منهم أن يرسلوا أبناءهم وبناتهم للقتال كل يوم ضد «حماس» و«حزب الله»، ولكنهم لا يستطيعون أن يكونوا واثقين مما إن كانوا ذاهبين إلى الحرب من أجل إنقاذ دولة إسرائيل أو من أجل إنقاذ حياة رئيس وزرائهم السياسية. ذلك أن هناك ما يكفي من الأسباب للاعتقاد بأن بنيامين نتنياهو يريد الإبقاء على هذه الحرب مستمرة حتى تكون لديه ذريعة لتأجيل الإدلاء بشهادته في محاكمته بتهمة الفساد في ديسمبر، وتأخير عمل لجنة تحقيق مستقلة بخصوص كيف فشلت حكومته في درء أسوأ هجوم منذ الهولوكوست، وكذلك لمنع انتخابات إسرائيلية جديدة، وربما لترجيح كفة الانتخابات الرئاسية لصالح دونالد ترامب أيضا.

 شركاء نتنياهو من تيار اليمين المتطرف أخبروه بأنهم سيُسقطون حكومته إن وافق على وقف الحرب في غزة قبل «النصر الكامل» وغير المحدد على «حماس»، أو حاول جلب السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية، والتي تبنت عملية أوسلو للسلام، للمساعدة على حكم غزة بدلاً من «حماس»، وهو أمر تخشاه «حماس» بشدة. ثم أن غياب هذه القصة يضر بإسرائيل أيضاً استراتيجياً. ذلك أنه كلما كان لدى إسرائيل شريك فلسطيني شرعي، مثل سلطة فلسطينية خضعت للإصلاح، كانت فرصة إسرائيل أفضل للخروج من غزة وعدم قيام تمرد دائم هناك تحت أنظارها، وكلما زاد عدد الحلفاء الذين سيرغبون في المساعدة على تشكيل قوة دولية لملء أي فراغ في جنوب لبنان، كانت أي مواجهة إسرائيلية ضد إيران ستُفهم على أنها ستجعل إسرائيل آمنة من أجل السعي إلى صنع السلام مع الفلسطينيين، وليس آمنة من أجل ضم إسرائيلي للضفة الغربية وغزة، وهو ما يسعى إليه بعض شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف. لهذا أجدني، في هذه الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 أكتوبر، مشغولاً أكثر بحقيقة أن إسرائيل تخوض حرباً متعددة الجبهات وأن الإسرائيليين ما زالوا لا يعرفون ما إن كانوا يقاتلون لتكون إسرائيل آمنة من أجل ديمقراطية أو آمنة من أجل البقاء السياسي لرئيس الوزراء، وآمنة لكي لا يضطر المتدينون المتشددون لأداء الخدمة العسكرية، وآمنة لكي يعلن رئيس الوزراء للعالم أنه يدافع عن حدود الحرية في غزة ولبنان ويحافظ بالتوازي مع ذلك على دعم محرك استيطان فاسد أخلاقياً ومستنزف اقتصادياً في الضفة الغربية.

وخلاصة القول: إن التهديد الأكبر لإسرائيل اليوم ليس إيران أو «حماس» أو «حزب الله» أو الحوثيين، فإسرائيل موحدة تستطيع أن تهزمهم جميعاً. بل التهديد هو أولئك الذين يفكّون خيط إسرائيل الفولاذي بقصة سيئة.

*كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»