في تاريخ جوائز نوبل الذي يمتد لأكثر من قرن من الزمان، لم تتلق النساء سوى 13 جائزة فقط في مجالي الفيزياء والكيمياء. ولكن في حين أن تحقيق المساواة بين الجنسين في العلوم لا يزال بعيداً عن الحل، تبدو الأمور في تحسن: فقد حصلت أكثر من نصف هؤلاء النساء بالجائزة خلال السنوات الست الماضية. كيف يمكن أن يستمر هذا الاتجاه؟

تقدم حياة ماري كوري بعض الأفكار.تُعد ماري كوري المرأة الوحيدة التي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء، وقد واجهت مؤسسة علمية يسيطر عليها الرجال بالكامل، ولكنها استفادت من شبكة دعم مثالية تفتقر إليها معظم النساء العالِمات في مجال العلوم اليوم.لقد شجعتها أسرتها، وخاصة والدها، الذي أيقظ اهتمامها بالعلوم. كان يؤمن بأنها تستحق التعليم - على الرغم من أن جنسها كان يمنعها من الالتحاق بالجامعة في وارسو، حيث وُلدت ماري في عام 1867.

وقد عقدت هي وأختها الكبرى، برونيا، ميثاقاً: ستعمل ماري كمدرسة خاصة لدعم دراسات برونيا الطبية في جامعة باريس حتى تصبح برونيا طبيبة ويمكنها رد الجميل.يؤكد تقرير صادر عن الجمعية الأميركية للنساء الجامعيات حول أداء الفتيات في فصول الرياضيات والعلوم على أن مواقف الآباء والمعلمين ضرورية لتحقيق النجاح. في إحدى الدراسات، كان مجرد إخبار الفتيات في سن المدرسة الثانوية بأن «ذكائهن يمكن أن يتطور مع الخبرة والتعلم» كافياً لرفع درجاتهن وجعلهن أكثر ميلاً إلى الرغبة في مواصلة دراسة الرياضيات.في جامعة باريس، حصلت «ماري سكودوفسكا» آنذاك على درجتي ماجستير قبل أن تلتقي بالفيزيائي بيير كوري، الذي تزوجته في عام 1895. ساعدها بيير في تصميم الأجهزة اللازمة لإجراء أبحاث الدكتوراه الخاصة بها، وبعد أن أصبحت نتائجها مثيرة للاهتمام، تخلى عن تجاربه الخاصة للعمل معها في المجال الذي أطلقت عليه اسم «النشاط الإشعاعي».

لم يكن بإمكان ماري الاعتماد على ثبات بيير كزوج وشريك في المختبر فحسب، بل وأيضاً على مساعدة والده الأرمل، الذي انتقل للعيش معهما للمساعدة في رعاية ابنتهما إيرين.في الولايات المتحدة، قد يكون من الصعب الحصول على هذا المستوى من الدعم، حيث تترك أكثر من 40% من العالمات وظائفهن بدوام كامل بعد ولادة طفلهن الأول.في عام 1904، أنجبت ماري ابنتها الثانية، إيف، وعادت إلى المختبر، وكذلك إلى تدريس الفيزياء لبضعة أيام في الأسبوع في أكاديمية للمعلمات. وبصرف النظر عن والد زوجها والمساعدة الإضافية التي استطاعت تحملها الآن، فقد وظفت تلميذتها المفضلة، يوجيني فيتيس، كمربية أطفال. استفادت هذه الطالبة أيضا، وتعلمت من كوري كقدوة.

قامت بإجراء بحث الدكتوراه الخاص بها في الفيزياء، وتزوجت من زميل فيزيائي وأصبحت فيما بعد مديرة أكاديمية التدريس.إن النماذج المثالية مهمة، وتُظهر الأبحاث أن القدوة لا تحتاج إلى أن تكون حاضرة جسدياً في حياة الفتاة الصغيرة لإلهامها.

في الواقع، حددت هذه الدراسة حتى ماري كوري كشخصية تؤدي هذا الدور لكثيرات.بعد وفاة بيير فجأة في حادث عام 1906، دُعيت ماري الحزينة على عكس التقاليد الذكورية في جامعة باريس لتولي إدارة مختبر الجامعة حيث عملاً معاً. كما تولت منصب أستاذيته. وباعتبارها أول امرأة على الإطلاق تقوم بالتدريس في تلك المؤسسة القديمة، فقد أزعجت بعض زملائها ولكنها استمتعت بزمالة الآخرين. وانضم إليها عدد قليل من زملائها الأساتذة وزوجاتهم في تشكيل مدرسة تعاونية لأطفالهم، والتي صممتها ماري لتلائم الاحتياجات التعليمية لإيرين المراهقة.

من المرجح أن تتعرض عضوات هيئة التدريس من النساء المعاصرات للرفض من قِبَل العمداء والأساتذة من النساء كما هو الحال من قِبَل الرجال في تلك المناصب. وبدلاً من مساعدة الوافد الجديد الأصغر سناً، قد تميل النساء في الأدوار العليا إلى ترك الوافد الجديد يتخبط بمفرده، كما كان عليهن أن يفعلن.لقد كانت شهرة ماري كأول امرأة تفوز بجائزة نوبل سبباً في جعلها منارة.

فقد سافرت العشرات من العالمات الطموحات إلى باريس للعمل أو الدراسة تحت إشرافها. ولقد عادت العديد من النساء إلى أوطانهن ليصبحن بدورهن أول أُستاذات دائمات في هولندا والمجر والبرتغال وأماكن أخرى. وخلال الحرب العالمية الأولى، وبينما كانت تكافح لتقديم خدمات الأشعة السينية للجنود الجرحى، قامت ماري بتدريب 150 امرأة فرنسية راغبة في تشغيل المعدات وتفسير الصور.

وفي الوقت نفسه، حصلت ابنتها إيرين، التي كانت لا تزال في سن المراهقة، على شهادة في التمريض بالإضافة إلى دراستها الأكاديمية وخدمت في المستشفيات بالقرب من الجبهة.أكدت إيرين قيم والدتها باتباع ماري في المختبر. وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون، وتزوجت، وأنجبت طفلين وأجرت الأبحاث التي جعلتها، في عام 1935، ثاني امرأة تفوز بجائزة نوبل في الكيمياء.ربما يكون التشجيع والتوجيه ورعاية الأطفال بأسعار معقولة هي العناصر الأقل تكلفة المرتبطة بالبحث في الفيزياء أو الكيمياء، ومع ذلك فهي حاسمة لنجاح النساء العالِمات اليوم. وفي عصرها، كانت ماري استثناءً من القاعدة. واليوم، لا تزال لديها نصائح لمستقبل أكثر عدالة.

دافا سوبل*
*كاتبة أميركية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»