في ظل التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، يبدو أن الأيديولوجيات التي اعتمدت عليها الميليشيات المسلحة قد بدأت تفقد زخمها أمام صعود التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، الذي يدعم مفهوم الدولة ويعيد صياغة الشراكات الدولية.
هذا التحول ليس مجرد تعديل في موازين القوى داخل المنطقة، بل هو انعكاس لتغيرات أعمق في الأسس التي بنيت عليها التحالفات القديمة، وخاصة الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية. كانت الأيديولوجيات التي نشرتها الميليشيات المسلحة، سواء كانت دينية أو قومية، عاملاً رئيساً في زعزعة الاستقرار في العديد من الدول العربية. اعتمدت هذه الميليشيات على استغلال الفراغات السياسية والأمنية، مما أدى إلى خلق دوامة من العنف والفوضى في دول مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن.
ومع ذلك، بدأ هذا النموذج في الانهيار مع ظهور التكنولوجيا، التي لا تعزز فقط مفهوم الدولة واستقرارها، ولكنها تفتح آفاقاً جديدة لتعزيز الحوكمة والابتكار. التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، تُستخدم اليوم في تعزيز الأمن الداخلي والخارجي للدول، من خلال تقديم أدوات متطورة لمراقبة الحدود، وجمع المعلومات الاستخبارية، والتنبؤ بالتهديدات.
بفضل هذه الأدوات، بات من الممكن للدول استعادة سيادتها وتأمين مجتمعاتها بشكل أكثر فعالية. إن التحول من الأيديولوجيات المسلحة إلى التكنولوجيا سيؤثر بدوره على الشراكات الأمنية والعسكرية. كان «اتفاق كوينسي»، الذي وُقع في عام 1945 بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت أساساً مهماً في العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج.
اعتمد هذا الاتفاق على أهمية النفط كمحور رئيس لهذه العلاقات، حيث التزمت الولايات المتحدة بضمان تدفق إمدادات نفطية موثوقة، ومع ذلك، شهد هذا الاتفاق تغييرات كبيرة، خاصة بعد تراجع أهمية النفط المستورد للاقتصاد الأميركي وتطور الاكتفاء الذاتي في الطاقة.اليوم، أصبحت التكنولوجيا، وليس النفط، الركيزة الجديدة للعلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وخصوصاً في المجالات الأمنية والعسكرية. وتبرز الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى واشنطن في سبتمبر الماضي كدليل على هذا التحول.
تمثل الشراكة بين «جي 42» الإماراتية و«مايكروسوفت» الأميركية نموذجاً جديداً للعلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، حيث أصبحت التكنولوجيا العنصر المحوري الذي يقود هذه الشراكات. يشهد العالم تحولاً تدريجياً من الاعتماد على الأيديولوجيات المسلحة إلى التكنولوجيا، التي أصبحت القوة المحركة لتعزيز مفهوم الدولة، الذي طالما أكدت عليه دول الخليج، لدعم الاستقرار في المنطقة. يعيد هذا التحول تشكيل الشراكات الدولية، وخاصة بين دول الخليج والولايات المتحدة، حيث أصبحت التكنولوجيا، بدلاً من النفط، الأساس الجديد للتعاون في المجالات العسكرية والأمنية.
يوفر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات الأمنية، ويعيدان تعريف التحالفات بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي