تتحرك الاحداث في إطار الحرب على غزة، وبعد عام من اندلاع هجوم 7 أكتوبر في سياقات محددة متعلقة بما آل اليه الوضع في القطاع من متغيرات فرضت نفسها، خاصة ما يتعلق بتبدل المواقف، والتوجهات التي حكمت إدارة المشهد بعد عام كامل ارتبط بالترتيبات الأمنية والاستراتيجية التي تعمل إسرائيل على إتمامها في الوقت الراهن برغم مواجهات إسرائيل مع «حزب الله» وايران، وانفتاح المشهد السياسي والأمني ومسعى الحكومة الإسرائيلية لتغيير واقع قطاع غزة ما يؤكد أن الأمر سيتجاوز الأطر والترتيبات الأمنية لحكم القطاع خاصة، أن إسرائيل ما تزال تدرس كيف سيتم حكم غزة، وكيف سيتم التعامل مع القطاع في اطار من المعطيات التي آل إليها بأوضاعه الراهنة والمستقبلية والتي ترتبط بكيف سيتم التعامل مع غزة بعد عام من الاحداث والتطورات الهيكلية، والتي فرضت نفسها.
أهم المتغيرات الحاكمة تتمثل في المجال الأمني، حيث ستحافظ إسرائيل على حرية العمل في قطاع غزة بأكمله من دون حد زمني، وستقيم منطقة أمنية متاخمة لإسرائيل داخل قطاع غزة طالما توجد حاجة أمنية لذلك، والتأكيد على مجموعة من الشروط المباشرة يجب أن تتحقق مع نهاية الحرب، أهمها تدمير القدرات العسكرية والبنية التحتية الحكومية لحركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وإعادة الأسرى، ومنع التهديد من قطاع غزة.
وعن إعادة إعمار القطاع، فإن ذلك يصبح ممكناً فقط بعد الانتهاء من عملية سحب السلاح، وسيتم تنفيذها بتمويل وقيادة دول مقبولة لدى إسرائيل التي ستسيطر على أمن المنطقة الواقعة غربي الأردن بأكملها، بما في ذلك غلاف غزة أرضاً بحراً وجواً، لمنع تعزيز العناصر الإرهابية – وفقاً لطرح إسرائيلي خالص- في السلطة الفلسطينية وقطاع غزة وإحباط التهديدات منها تجاه إسرائيل والتي ستعمل على غلق الباب إمام توحيد إطاري الضفة والقطاع معاً في إطار تكريس الحل الانفرادي والتركيز على مستقبل غزة وليس الضفة الغربية.
في هذا السياق السابق من الطرح الإسرائيلي يبقى السؤال المطروح: هل كان مطلوباً وقوع أحداث 7 أكتوبر؟ وهل خسر الفلسطينيون أم ربحوا في ظل ما يجري من تحديات رئيسة مرتبطة بالفعل بمستقبل غزة بأكمله في ظل ما يجري من العمل في عمق القطاع مباشرة من خلال خط تواصل استراتيجي ممتد انتهى إلى تقليص مساحة القطاع من الشمال، ومن مناطق التماس سواء من الشمال إلى شرق ووسط إلى الجنوب، وإن كانت هناك تباينات عديدة حول مساحة هذه المنطقة المحددة، التي قد توفر الأمن الاستراتيجي المنشود لإسرائيل في الأقل في المدى المتوسط.
إسرائيل لا تريد أن يتكرر مشهد السابع من أكتوبر مرة أخرى، سواء من القطاع، أو من الشمال، مع توجيه رسائل تطمينات إلى المستوطنين الذين هددوا بإحداث قلاقل في الساحة السياسية ما لم تضمن الحكومة الإسرائيلية لهم تأمين القطاع بالكامل، وتحسم أي مخاطر محتملة، ودفع الحكومة إلى تبني إجراءات وتدابير مختلفة، خاصة وأن استمرار وجود إسرائيل على الأرض، والدخول في متاهة الترتيبات الأمنية المتعددة، يمثل خطراً على مستقبل القطاع الذي قلصت مساحته الجيو استراتيجية، كما سيعاني سكانه من عمليات ترانسفير إلى داخل القطاع أو الخارج من خلال مشروعات شيطانية متعلقة بالتهجير القسري أو الطوعي، وغيرها من الارتدادات المكلفة بما في ذلك الدعوة إلى نزع سلاح «حماس» من خلال تعامل دولي، واحتمال تدويل القطاع مع التأكيد على ما يمكن أن يمثل خطراً حقيقياً على قوة «حماس»، يمس مستقبلها على الساحة الفلسطينية، على رغم التأكيد على بقائها على قيد الحياة، فالفكرة الرئيسة هي بقاء الحركة في محيطها الحالي كفكرة أيديولوجية، ولكنها لن تتصدر المشهد إلا في إطار المفاوضات الحالية، وستكون طرفاً ضمن أطراف، ومن خلال معادلة تشمل الكل وعودة السلطة الفلسطينية لإدارة الأوضاع.
مجمل القول إن الشعب الفلسطيني بأكمله دفع ثمن المواجهة الراهنة، وسيظل يدفعه في ظل ما يطرح من قبل «حماس» والتصميم على إدارة المشهد من جانب واحد، ومن دون الإنصات إلى وجود السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً وإقليمياً باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، مما يعطي دلالات محددة مفادها أن حركة «حماس» في منظور عملي قد أضرت بالوضع الفلسطيني ولم تحسب حسبتها جيداً، وربما يتم الرد على هذا الأمر من خلال رؤية مقابلة بأنها اتهمت أمام الرأي العام العربي والفلسطيني بأنها لم تنسق مع أي طرف، لهذا كان قرارها بتغيير قواعد الاشتباك، والخروج من استراتيجية الكمون إلى استراتيجية التحرك المباشر بعمل غير مسبوق.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية