كان حسن نصر الله زعيماً لحزب مسلح تسبب في حروب أدت إلى مقتل كثير من الأبرياء، بما في ذلك إسرائيليون وأميركيون وسوريون ولبنانيون، وقال عن وفاته الرئيس جو بايدن إنها «إجراء لتحقيق العدالة لضحاياه الكثر». اكتسب «حزب الله» شهرة في أنحاء العالم الإسلامي بسبب شنه حربَ عصابات ضد القوات الإسرائيلية، مما أدى إلى خروجها من جنوب لبنان في عام 2000.
ورداً على هجمات الحزب، دخلت القوات الإسرائيلية لبنان مرة أخرى في عام 2006، لكن الحزب تصدى لها وتعادلا في المواجهة. اكتسب «حزب الله» مؤيدين بسبب مواجهاته مع إسرائيل، لكنه قوض جاذبيتَه لدى المسلمين السنّة من خلال قتل العديد من المدنيين كجزء من حملة الأرض المحروقة في سوريا. لذا لا عجب إن احتفل كثيرون في كل من إسرائيل وسوريا بمقتل نصر الله، حتى في الوقت الذي حزن فيه أتباعه الشيعة في لبنان ورعاته الإقليميون على وفاته. لكن في حين أن اغتيال نصر الله مبرر من الناحية الاستراتيجية، فمن غير المرجح أن يشكل ضربةً حاسمة ضد «حزب الله» كمنظمة مسلحة ترسّخت جذورها في نسيج المجتمع الشيعي اللبناني. أصبح نصر الله زعيماً لحزب الله في عام 1992 بعد اغتيال سلفه ومرشده عباس الموسوي، في غارة جوية إسرائيلية أيضاً. وقد ابتهج الإسرائيليون بوفاة الموسوي، وتخيل البعض يومها أن «حزب الله» سينهار بموت زعيمه.
لكن نصر الله الذي كان في ذلك الوقت رجل دين شاب وغير معروف أثبت أنه أكثر فعالية في بناء الحزب من الموسوي، حيث حوّل «حزب الله» إلى ما يُعد الآن أقوى قوة عسكرية غير حكومية في العالم. ومن المحتمل أن يثبت خليفة نصر الله، وهو على الأرجح ابن خالته هاشم صفي الدين نفس القدر من الكفاءة. أي خليفة لنصر الله سيواجه تحديات كبيرة. فقد عانت الجماعة من ضربات موجعة نتيجة للحملة الإسرائيلية المتصاعدة في الأسبوعين الماضيين. وفي محاولة لإجبار «حزب الله» على وقف إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، حيث أدت هجماته إلى نزوح أكثر من ستين ألف إسرائيلي من منازلهم، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً سرياً في 17 و18 من سبتمبر، وفجر آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي وأجهزة النداء (البيجر) التابعة للحزب. وتلت ذلك غارات جوية شرسة أسفرت عن مقتل العديد من كبار قادة الحزب، بلغت ذروتها بمقتل نصر الله.
وتقدر وزارة الصحة اللبنانية أن أكثر من 700 شخص لقوا حتفهم في الغارات الإسرائيلية الأسبوع الماضي، ما بين مقاتلين ومدنيين. ومن المؤكد أن حصيلة القتلى سترتفع بعد أن ينتهي رجال الإنقاذ من الحفر بين أنقاض المقر الرئيسي لنصر الله تحت الأرض في جنوب بيروت. ومن المحتمل أن تكون القوات الجوية الإسرائيلية قد أسقطت قنابل تزن 2,000 رطل لاختراق مخبئه، مما أدى إلى تسوية ستة مبانٍ سكنية بالأرض. هذه القسوة من شأنها أن تجلب لإسرائيل المزيدَ من الإدانة في مختلف أنحاء العالم. لكن القادة الإسرائيليين يأملون أن تعيد الضربة قدراً من الردع ضد أعدائها، وهو الردع الذي فقدته بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته عليها «حماس» قبل حوالي عام من الآن.
ولابد أن «حزب الله» يشعر بقلق خاص إزاء النجاح الذي حققته الاستخبارات الإسرائيلية في اختراق أكثر عملياته سرية. فلم تنجح إسرائيل في تزويد الحزب بأجهزة إلكترونية مفخخة فحسب، وإنما استطاعت أيضاً أن تتعقب كبار قادته بدقة كافية لاستدعاء الغارات الجوية للقضاء عليهم. وقد تعرضت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية لضربة قوية بسبب فشلها في منع هجوم «حماس» في 7 أكتوبر. وها هي الآن تستعيد بعضاً من بريقها. لذا سيتعين على «حزب الله» أيضاً، وهو يستبدل قياداته ويعيد بناء شبكة اتصالاته الخاصة، إطلاق حملة مطاردة لـ«الخونة» في صفوفه. وهكذا، فإن التأثيرات المترتبة على الضربات الإسرائيلية ستستمر في زعزعة استقرار الحزب لشهور وربما لسنوات قادمة.
ومع ذلك فإن «حزب الله» يبدو بعيداً عن الهزيمة. فقبل الضربات الجوية الأخيرة، كان من المقدر أن «حزب الله» لديه ما بين 150 ألفاً إلى 200 ألف صاروخ وقذيفة. وقد نجحت الهجمات الجوية الإسرائيلية في القضاء على بعضها، لكن من المرجح أن تظل الغالبية منها جاهزة للعمل. كما تشير التقديرات إلى أن «حزب الله» لديه ما بين 40 ألفاً إلى 50 ألف مقاتل يتمتعون بدوافع عالية وتدريب جيد. وتأمل إسرائيل أن تغني حملتُها الجوية عن الحاجة إلى شن هجوم بري على لبنان. لكن، وكما أشرتُ إلى ذلك قبل بضعة أيام، فإن قلَّةً من الدول حققت أهدافَها الحربية عن طريق العمليات الجوية وحدها: فالقوة الجوية تكون أكثر فعالية عندما تُستخدم كجزء من هجوم مشترك مع القوات البرية. ومن المرجح أن يكون «حزب الله» أقل ميلًا للتوقف عن قصف شمال إسرائيل بعد مقتل زعيمه، لأن القيام بذلك الآن سيكون بمثابة اعتراف فعلي بالهزيمة، وهو ما سيضر كثيراً بهيبته كقوة.
وربما تجد إسرائيلُ نفسَها لا تزال أمام ضرورة إرسال قواتها مرة أخرى إلى لبنان، حيث من المرجح أن تواجه معركة وحشية وغير حاسمة ضد عدو قوي. لقد رحل نصر الله، لكن «حزب الله» ما زال موجوداً. فهو ليس قوة عسكرية قوية ومنظمة إرهابية قوية فحسب، بل إنه أيضاً وكالة شبه حكومية في مختلف أنحاء جنوب لبنان، تكتسب ولاء الشيعة من خلال توفير الخدمات الاجتماعية الممولة من الخارج بدلاً من الحكومة المركزية غير الفعالة في لبنان. ومن الجيد أن نتصور أن الحكومة اللبنانية قادرة الآن على نزع سلاح «حزب الله» وإنهاء حكمه الإرهابي، لكن هذا مجرد تفكير متفائل. وستظل إسرائيل مضطرةً للتعامل مع المنظمة العسكرية لسنوات قادمة. لقد تمكن «حزب الله» وإسرائيل، على الرغم من كونهما عدوين لدودين، من العيش في سلام بارد بين نهاية آخر غزو إسرائيلي للبنان في عام 2006 وهجمات «حماس» في 7 أكتوبر 2023. وسيكون لزاماً على الجانبين أن يتوصلا بطريقة أو بأخرى إلى تسوية مؤقتة جديدة بعد انتهاء سفك الدماء الحالي لأن أياً من الجانبين ليس في وضع يسمح له بالقضاء على الآخر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن» ماكس بوت*
*زميل «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك