قيل «إنما الإنسان أثر، فانظر ما أنت تارك خلفك»، وقيل أيضاً: «إرث الإنسان أثره». زرعان يحبهما الله؛ زرع الشجر وزرع الأثر، فإن زرعت الشجر ربحت الظل والثمر، وإن زرعت طيب الأثر حصدت محبةَ الله ثم البشر.
اعبُر عبوراً كريماً في الحياة، لا تؤذ نفساً، ولا تكسر قلباً، ولا تُبك عيناً، ولا تَجرح روحاً، ولا تقتل حُلماً، ولا تطفئ بسمة.. فإن الحياة لا تستحق ذلك، وسيمضي بك الزمن وتدرك أن خير ما يظفر به الإنسان في هذه الحياة هو الأثر الطيب والذكر الحسن.
ويظل الإنسان في هذه الحياة مثل قلم الرصاص؛ تبريه العثرات ليكتب بخط أجمل، ويكون هكذا حتى يَفنى القلم ولا يبقى له إلا جميل ما كتب. وأعذب إنسان هو مَن يمر في حياتنا ويترك خلفه ذكرى جميلة.
ومن يقدم لك الاهتمام فلا تهمله، لأن هذه النوعية من الناس التي تحمل قلوباً طيبة هي نوعية قليلة على وشك الانقراض.
إن عقيدة الإنسان، أيُّ إنسان، أمر جوهري في حياته، وتحضرني قصة احتضار الفيلسوف «جان بول سارتر»، والذي قال لصديقته الأديبة «سيمون دي بوفوار» لَمَّا شعر باقتراب منيته: «أحضري لي قسيساً»، فأصيبت بوفوار بالذهول، وقالت: «إن تصرفك هذا يدمر فلسفتك كلها»، وذلك لأن سارتر كان لا يؤمن بالله، ولا بأي دين طوال حياته، لكنه وهو يحتضر أصر على القول: «وليكن هذا القسيس من الريف، وليس من العاصمة باريس».. وقد تم له ما أراد.
شتان بين الحرية والفوضى؛ فالأولى نهر يتدفق بالخير والعطاء من منبعه إلى مصبه، والثانية شلالات تندفع بلا شطآن ولا أهداف، وتتحوّل إلى عالم من المستنقعات الراكدة والبُرك الآسنة التي لا فائدة منها ولا جدوى.
هكذا نعاند الأيام، بأن نكون كل يوم أكثر قوة، وأكثر جمالاً، وأكثر حياة.. عمر الإنسان يتناقص مع كل يوم يمضي منه، لذا تزداد قيمة العمر المتبقي.
«الزمن الجميل» تعبير مستفز، وهو اعتقاد تتوارثه الأجيال بأن العقد السابق أجمل من العقد الحالي، وهكذا تمر كل عشر سنوات من حياتنا، ونحن نعتقد أن العشر السابقة أجمل، ويمضي العمر ولا نعيش جمال الزمان أبداً.
لقد سأل معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، الأحنفَ عن الزمان، فقال: «أنت الزمان، فإن صلُحت صلُح وإن فسدت فسد».
أجمل الناس مَن يصنع لديك ابتسامة حين يعلم أنك بحاجة لها.
نتطرق قليلاً لبعض جماليات أثر الإنسان الطيب، ونقول إن جمال الحديث بالإتقان والصدق، وجمال العطاء بالإحسان، «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، «والله يحب المحسنين»، و«إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم».. وجمال الأخذ بالعرفان لا بالنكران، وجمال التسامح بالغفران، و‏جمال العقل بالفكر الذي يدل على وجودك الحقيقي في الحياة، وجمال اللسان بالصمت عن كل سوء: «لا يحب الله الجهر بالسوء إلا مَن ظُلم..»، إلا الصمت عن الحق أمام جبروت الباطل، وجمال الوجه بالابتسامة الصادقة، فهي الصدقة المُثابة، وجمال الحال بالاستقامة: «فاستقم كما أمرت».. ألا تستحق كل هذه الجماليات أن تكون جزءاً مِن آثار حياتنا، تستقي منها الأجيال مداد استمرارها؟!
قيمة الإنسان في ذاته وليست في عيون الناس، قيمته في وجوده، وليست بمن يوجدون حوله، قيمته في تعامله وأخلاقه وحسن تربيته وليس في انتظار الثناء عليه.. فكن أيها الإنسان، يا مَن كرّمك الرحمن، ذا قيمة في الميزان بما تملك من أخلاق ومبادئ، وليس بما تملك من أموال، فقيمتك الحقيقية في أصل طيبك.. وطيب أثرك بين الناس.

*كاتب إماراتي