عاش عبد الحليم حافظ 48 عاماً، وتستعد العائلة لإحياء الذكرى 48 عاماً على رحيله. لقد كانت حياة عبد الحليم حافظ ممّا يُطلق عليه «العُمر العريض» حيث امتلأ عُمره القصير بأعمال عديدة قد لا ينجزها غيره في ضِعف عُمره.
تربطني بعائلة عبد الحليم حافظ صداقة أعتز بها. أخذ الأستاذ محمد شبانة.. نجل شقيق عبد الحليم الكثير من هدوء عمّه وتهذيبه، وأمّا الأستاذ محمد كمال الشناوي وهو نجل الفنان الكبير كمال الشناوي وزوج ابنة السيدة علية شبانة.. شقيقة عبد الحليم.. فهو شبيه والده في صوته وطريقة حديثه، وهو خازنُ أسرارٍ عديدة، لقربه من «حماته» شقيقة العندليب.
يزور عدد كبير من المعجبين منزل عبد الحليم حافظ في ذكراه، حيث يفتح الأستاذ محمد كمال الشناوي المنزل للزوار، ولطالما امتلأ المكان في الداخل والخارج بمعجبين جاءوا من محافظات مصر ومن عواصم عربية عديدة.
يقع منزل عبد الحليم في حيّ الزمالك وسط القاهرة، ويطل على حديقة الأسماك، وهو منزل يشبه ساكنه.
زرتُ منزل حليم عدة مرات، وزرته مؤخراً حين طلب منّي الأستاذ كيفي عبدالله مستشار رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني والسيدة حرمه زيارة المنزل. وقد سمعت منهما الكثير عن الوجود الكبير لعبد الحليم في المجتمع الكردي، وسطوته على أجيال عديدة من المعجبين.
قدّم لنا الأستاذ محمد الشناوي الشاي والحلوى، بينما كان يروي لنا هو والأستاذ محمد شبانة جوانب من حياة أشهر مطرب في العالم العربي على مدى سبعين عاماً.
لا يسع الزائرون سوى أن يتحدثوا عن رونق المنزل وبهاء ألوانه، وقد عرفنا أن زعيم حزب الوفد فؤاد باشا سراج الدين هو من قام بأعمال الديكور للمنزل، حيث عمل فؤاد باشا في مجالات الفنون والديكور بعدما سقط حُكم الوفد عام 1952، ومضت مصر في طريق آخر.
كان فؤاد سراج الدين وزيراً في حكومة النحاس باشا، وقد اختار المعارضة لنظام الرئيس عبد الناصر، لكن من دون صِدام.
قال لنا محمد الشناوي.. حين سُئل فؤاد باشا عن المفارقة السياسية.. كيف وهو الوزير الوفدي يساعد في منزل عبد الحليم حافظ وهو صوت الثورة وصوت جمال عبد الناصر. وكان ردّ فؤاد باشا: إن خلافي مع عبد الناصر أساسه السياسة لا الوطنية، فهو زعيم وطني ولكنّي لا أؤيده في سياساته، وأمّا عبد الحليم حافظ فليفعل ما يشاء، يميناً ويساراً.. إنّه عبد الحليم.
كان أول ظهور لعبد الحليم أمام الرئيسيْن محمد نجيب وجمال عبد الناصر في حفل 23 يوليو 1953 بمناسبة الذكرى الأولى للثورة، وكان الحفل في حديقة الأندلس بالزمالك، ولم يكن حليم في جدول الحفل، غير أن غياب الفنانة صباح منحهُ هذه الفرصة الذهبية. وكانت النقلة الكبرى مع السيدة أم كلثوم أمام الرئيس عبد الناصر وبحضور الرئيس الجزائري أحمد بن بله، ولاحقاً أصبحت أم كلثوم تقيم حفل الثورة، ويقيم عبد الحليم حفل الجمهورية.
ثمّة من يرى أن حليم أطاح بمنافسيه بعدما حاز نفوذاً سياسياً كبيراً، قال الأستاذ الشناوي: سألتْ الحاجة عليّة شقيقها عبد الحليم عن ذلك، فأجاب: يا عليّة.. أنت تعرفين مرضي وأنني بين يدي الله، يمكن أن أغادر عالمنا في أي وقت، هل أقابل الله بكل هذا الظلم، أنا أساعد زملائي ولكنني أيضاً أنافس، أريد التميّز عليهم وأنْ أكون الأول، ولكن لا أعمل ضدّهم، ولا أسعى لإفشالهم.
من المثير أن عبد الحليم تم منعه من الإذاعة بقرار من المشير عامر وأعاده عبد الناصر، وبعد ثورة 1952 مباشرة تمّ منع أم كلثوم لقربها من الملك فاروق وأعادها عبد الناصر.
ماذا لو كان قرار المنع لأم كلثوم وحليم قد تحقّق.. يا لبؤس السلطة حين تمتلك السطوْة ولا تمتلك المعرفة، ويا لبؤس القوة الصلبة حين لا تعرف وزن القوة الناعمة.
*كاتب مصري