هل يمكن أن تثير القصة الموجهة إلى الطفل موضوعات متأزّمة مثل الخلافات الأسريّة، والمشكلات الاجتماعيّة، والأوبئة الصحيّة، والأزمات السّياسيّة، وتداعيات الحروب المدمّرة مثل: اللّجوء والتّهجير وفقدان الأمان؟ وهل للقصص دور في التّخفيف من آثار الأزمات التي يمُرّ بها الأطفال؟ هذان السؤالان، وغيرهما من الأسئلة كانت منطلقاً لبحث علمي شاركتُ به قبل أشهر قليلة في مؤتمر علمي دولي، موضوعُه دور العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة في الاستجابة للأزمات.
نعلم أنه ليس من السّهولة بمكان أن يعالج كاتب قصص الأطفال موضوعات متأزّمة ومعقّدة في نصوص تشترط الوضوح والبساطة، وتراعي متطلّبات المراحل العمريّة واحتياجاتها، فضلاً عن معرفة المستوى الإدراكي للمتلقي، ودرجة نضجه الفكري واللغوي في الآن نفسه، غير أن ثمّة تجارب أدبيّة أثبتت نجاح عدد من الكُتَّاب في معالجة مثل هذه المضامين في قصصهم، وجاءت على درجة عالية من البراعة والنضج الفني.
إن التّربية بالقصّة تُعدّ واحدة من طرائق التوجيه والتعليم غير المباشر، فهي تفيد في تحقيق التّوازن النّفسي للأطفال، وفَهْم نفسياتهم، كما تُعدّ من الأساليب النّافعة في تشخيص مشكلاتهم وعلاج مخاوفهم. ولا شكّ أن ذلك لا يمكن أن يتحقّق إلا بانتقاء الموضوعات الملائمة التي تطرح المعلومات التي يحتاجون إليها، وتدفعهم إلى التّأمل والتّفكير فيما يجري حولهم، وتجيب عن الأسئلة التي تدور في أذهانهم.
وقد تناول بحثي بالدراسة عدداً من قصص الأطفال المكتوبة باللغة العربيّة، للنّظر في مدى استجابتها للأزمات المختلفة، فمن القصص ما عالجت أزمات عائلية يمكن أن يواجهها الطفل، مثل الخلاف بين الوالدين، أو فقدان أحدهما، وآثارهما السلبيّة في نفسيّته، كالشعور بالغضب أو الحيرة أو الخوف، ومنها ما عالجت أزمات صحيّة بأسلوب سهل وبسيط، كجائحة «كوفيد- 19»، وتبعاتها على حياة الطفل ومحيطيه الاجتماعي والتعليمي. وعالجت قصص أخرى آثار الحروب مثل، التهجير واللجوء والعيش في المخيمات، وصوَّرت انعكاسات ذلك الوضع على حياة الأطفال، فأطلقت أسئلتهم، وعبَّرت عن أمنياتهم بالعودة إلى بيوتهم ومدارسهم وأوطانهم.
واعتمدت أغلب القصص على نمط سردي متقارب من ناحية بناء الحدث القصصي، إذ بُني الحدث بناءً تصاعديّاً، يبدأ بتصوير حالة ما قبل الأزمة، ثمّ وصف بدايتها واشتدادها عبر تصوير معاناة الشخصيّة/ البطل، حتى تصل إلى نقطة تجاوز الأزمة وانجلائها أو التعايش معها. ويلاحظ أن هذا النمط يراعي الجانب الإدراكي للمتلقي/ الطفل، فيساعده على استيعاب التحدّي الذي تواجهه الشخصيّة، وتدرّج مراحل صعوبة المشكلة، وهو تدرّج يقرّب القصة من الواقع المعيش، فيسهل عليه إدراكها واستيعابها، وبذلك يتحقق الهدف المقصود منها.
إن لفن القصة تأثيراً جاذباً وساحراً في نفوس الأطفال، وذلك من خلال الأحداث المتتابعة والمشوّقة التي تجعلهم يتعاطفون مع أبطالها، ويشاركونهم من الناحيتين الفكرية والوجدانيّة، ما يجعل القصة وسيلة ناجعة لتمكين الأطفال من تفهُّم الأزمات التي يمرون بها، ومن ثَم الإسهام في معالجتها، أو التخفيف من آثارها السلبية، وذلك كله يُحمّل الكُتَّاب مسؤولية الاعتناء الشديد بما ينتجونه ويكتبونه للطفل.
*أستاذ مشارك في قسم اللغة العربيّة وآدابها- جامعة الشارقة