تشير إحصائيات إلى أن الشباب يقضون ما يزيد على 3-5 ساعات يوميّاً على منصات التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك، وإنستجرام، وسناب شات، و«إكس»، ما يجعل هذه المنصات رافداً رئيساً لتشكيل وعيهم. وفي عصرنا الحالي تؤدي هذه المنصات دوراً كبيراً في صياغة توجهات الشباب، وتشكيل رؤاهم، وهنا تبرز أهمية تمكينهم من استيعاب هذه الأدوات، وتوظيفها بطرائق تخدم قضايا المجتمع، وتعزز التماسك المجتمعي، والقيم الإماراتية الأصيلة.
ومن واقع خبرتي الطويلة في مجال التربية والتعليم أدرك أن الشباب يمثلون طاقة غير محدودة، وإمكانات هائلة تنتظر التوجيه الصحيح، ولذا لم يعد تمكينهم من إدارة الحوار البنَّاء والنقاش الهادف عبر الوسائل الرقمية خياراً، بل أصبح مطلباً استراتيجيّاً في عصر تتزايد فيه أهمية المنصات الرقمية، بصفتها مصدراً رئيسيّاً للمعلومات، والتفاعل الاجتماعي. ويمثل غياب مثل هذه المهارات عن منظومة التعليم فجوة حقيقية، لأنها تمثل الأساس الذي يبني عليه الشباب قدرتهم على التأثير الإيجابي، والتواصل الفعَّال مع العالم من حولهم. ونظراً إلى أن الشباب هم المحرك الأساسي للتغيير، فإن توجيههم نحو الاستخدام الواعي والمسؤول لهذه المنصات يسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك الاجتماعي وخدمة المجتمع.
ولا يقتصر الحديث عن الوعي الإعلامي على المناهج الدراسية فقط، بل يتعداها إلى المشروعات الطلابية، والمعارض والأندية الإعلامية التي تتيح للطلاب فرصة تطبيق هذه المهارات في الواقع العملي. وعلى سبيل المثال يمكن تنظيم معارض وحملات توعوية تسلط الضوء على قيم المجتمع الإماراتي مثل التسامح والتلاحم، في حين توفر الأندية الإعلامية بيئة تفاعلية يتعلم فيها الطلاب كيفية إنتاج محتوى هادف يخدم القضايا المجتمعية، ويعزز روح الوحدة الوطنية.
ولا يخفى أن توعية الشباب بكيفية تحليل المعلومات والتفاعل مع المنشورات المستفزة أصبحت أكثر إلحاحاً في ظل التحديات الراهنة، وهنا يأتي دور الجامعات في النظر إلى مادة الوعي الإعلامي بصفتها متطلباً أساسيّاً لجميع الطلاب، بغضِّ النظر عن تخصصاتهم، ما يسهم في تخريج جيل قادر على التفاعل بوعي ومسؤولية مع المحتوى الرقمي، وتحليل المعلومات تحليلاً نقديّاً، بما يعزز الدور الحيوي والفعَّال في بناء مجتمع رقمي متماسك.
إن تعليم الطلاب كيفية التعامل مع المعلومات المضللة، والمنشورات الرقمية المستفزة، وكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر رسائل إيجابية وبناءة، هو استثمار طويل الأمد في بناء جيل واعٍ ومدرك للتحديات التي يفرضها العصر الرقمي. وفي نهاية المطاف يمكن أن يكون تمكين الشباب من مثل هذه المهارات خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار والتماسك المجتمعي في ظل التطورات الرقمية السريعة.
*مستشار مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية