في عصر التحول الرقمي والثورة التكنولوجية أصبحت البيانات الضخمة مورداً قيماً تعتمد عليه الدول لتعزيز قدرتها التنافسية في مختلف القطاعات، إذ تتيح هذه البيانات إمكانية تحليل الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية وفَهْمها، ما يمكّن الدول من اتخاذ قرارات استراتيجية مستنيرة، ورصد اتجاهات السوق، والوقوف على احتياجات البشرية، وتحديد فرص النمو الجديدة، ومن ثَم تحقيق التفوق، وتعزيز القدرة على المنافسة بنجاح في السوق العالمية.
وإضافةً إلى ذلك، تقدم البيانات رؤًى قيمة بشأن الاتجاهات والتوجهات في مجالات محددة، منها - على سبيل المثال - الاستثمار في البحث العلمي، إذ تستطيع المؤسسات البحثية والجامعات والباحثون الوصول إلى مجموعات كبيرة من البيانات المتاحة لتوجيه البحث العلمي، ما يمكنها من تحسين جودة البحوث التي تنتجها، وإجراء دراسات شاملة وتحليلات عميقة تفتح آفاقاً جديدة للفَهْم والابتكار في المجالات ذات الأهمية الكبيرة، فضلاً عن التحديات العالمية الملحة، ومن ثَم رفع مستوى التنافسية العالمية، والإسهام في تقدم المجتمع المحلي خاصةً، والعالم عامةً، على صعيد البحث العلمي، ومستقبله.
وفي إطار إدارة البيانات الضخمة وتوظيفها في تعزيز تنافسية دولة الإمارات العربية المتحدة بصورة عامة على المستوى العالمي، تسعى الدولة إلى استثمار البيانات على نحو واسع، لتعزيز التنمية، ورفع كفاءة الخدمات، وتحليلها التحليل الأمثل لاستشراف المستقبل، واتخاذ خطوات استباقية، وذلك دعماً للجهود الحكومية في تصميم المبادرات والمشروعات ذات التأثير الإيجابي المباشر في عمليات اتخاذ القرار لدى الجهات الحكومية، وتمكينها من إعداد سياساتها، وتنفيذ خططها ومبادراتها الاستراتيجية بكفاءة وفاعليَّة عالية، فقد اعتمدت حكومة دولة الإمارات تطبيق مؤشر نضج البيانات الحكومية معياراً لقياس جودة البيانات الإحصائية في الهيئات والجهات الحكومية الاتحادية، بهدف تعزيز جودة البيانات الحكومية، واستدامة تبادلها. ويهدف المؤشر إلى تحقيق الريادة العالمية، عبر تطوير مستويات جودة البيانات، للإسهام الفاعل في تعزيز أداء دولة الإمارات، واعتلاء مراكز متقدمة عالميّاً، وفقاً لتقارير ومؤشرات التنافسية الدولية.
ويتطلَّب تحقيق موقع متقدم في مجال بناء مجتمع بيانات قوي على الساحة الدولية تحديد أهداف واضحة قبل البدء بجمعها، واختيار البيانات التي تدعم تلك الأهداف في توجيه الموارد نحو المجالات ذات الأهمية، واستخدام أدوات تحليل مناسبة لاستخراج قيمة البيانات مثل برامج الذكاء الاصطناعي، ومراعاة الأخلاقيات في ضمان حماية خصوصية البيانات الحساسة للعملاء، وفقاً للقوانين والتشريعات المحلية والدولية، واتباع أفضل الممارسات في جمع البيانات وتحليلها بطريقة آمنة، إذ يمكّن اتباع هذه الإجراءات للجهات الحكومية توفير بيانات ناضجة تحقق الريادة في صنع القرارات، وتدعم الاقتصاد الرقمي دعماً مباشراً، ومن هنا يجب تعزيز التعاون بين جميع الجهات، ومضاعفة جهودها فيما يتعلق بعمليات إدارة البيانات الضخمة وجمعها وتبادلها وتحليلها وتقديمها.
وتجدُر الإشارة إلى استعداد دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية في إمارة الشارقة لتنظيم المنتدى الإقليمي للبيانات والتنمية المجتمعية في أكتوبر المقبل، الذي يُعد المنتدى الأول من نوعه في المنطقة، الذي يتناول أهمية البيانات، وتأثيرها في اتخاذ قرارات تصب في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة للمجتمع، ومن ثَم تكون عاملاً حاسماً في تعزيز التنافسية العالمية، والنجاح في عصر الاقتصاد الرقمي المتطور.
*أكاديمية ورئيس قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي بجامعة الشارقة