لفهم لماذا، وكيف تعتبر الضربة الإسرائيلية المدمرة لـ«حزب الله» تهديداً كبيراً جداً لإيران وروسيا وكوريا الشمالية، عليك أن تضعها في سياق الصراع الأوسع الذي حل محل الحرب الباردة كإطار للعلاقات الدولية اليوم.
لقد أوضحتُ، بعد هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر، أننا لم نعد في الحرب الباردة، أو ما بعد الحرب الباردة، وإنما في ما بعد مرحلة ما بعد الحرب الباردة: صراع بين «تحالف اندماج» -- دول ترى أن مستقبلها يتحقق بشكل أفضل من خلال تحالف بقيادة الولايات المتحدة يدفع العالمَ نحو مزيد من التكامل الاقتصادي والانفتاح والتعاون لمواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ، في مقابل «تحالف ممانعة»  تستخدم معارضتها لعالم الاندماج الذي تقوده الولايات المتحدة لتبرير عسكرة مجتمعاتها.
يجدر بالمرء أن ينظر إلى الحروب في أوكرانيا وقطاع غزة ولبنان في سياق هذا الصراع العالمي. فأوكرانيا كانت تحاول الانضمام إلى عالم الاندماج في أوروبا، أي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بينما كانت إسرائيل والسعودية تحاولان توسيع عالم الاندماج في الشرق الأوسط عبر تطبيع العلاقات. 
ذلك أنه لو سُمح لإسرائيل بتطبيع العلاقات مع السعودية، فإن ذلك ما كان ليؤدي فقط إلى توسيع التحالف الشامل في تلك المنطقة بشكل كبير -- تحالف تم توسيعه بالفعل من خلال الاتفاقات الإبراهيمية - ولكنه كان سيؤدي أيضاً إلى عزل إيران ووكلائها.

إدارة بايدن-هاريس عملت على بناء شبكة من التحالفات لإعطاء ثقل استراتيجي لتحالف الاندماج -- من اليابان وكوريا والفلبين وأستراليا في الشرق الأقصى، مروراً بالهند، ومنها إلى السعودية ومصر والأردن، ثم إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. 
انتبه جيداً للخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة. فهو يفهم جيداً الصراع بين تحالفي «الممانعة» و«الاندماج» الذي أتحدثُ عنه، لا بل إنه كان محورياً لخطابه في الأمم المتحدة.
كيف ذلك؟ نتنياهو رفع خريطتين خلال خطابه، إحداهما بعنوان «النعمة»، والأخرى «اللعنة». خريطة «اللعنة» أظهرت سوريا والعراق وإيران باللون الأسود، كتحالف يحول بين الشرق الأوسط وأوروبا. أما الخريطة الثانية، «النعمة»، فقد أظهرت الشرق الأوسط باللون الأخضر، وسهم أحمر ذو اتجاهين يمر عبرها، كجسر يربط عالم الاندماج في آسيا بعالم الاندماج في أوروبا.
ولكنك إذا أمعنت النظر في خريطة «اللعنة» التي رفعها نتنياهو، ستجد أنها تُظهر إسرائيل -- ولكن من دون حدود مع غزة والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل (كما لو أنه تم ضمهما بالفعل -- وهو هدف هذه الحكومة الإسرائيلية).
وهنا تكمن المشكلة. فالقصة التي يريد نتنياهو أن يقولها للعالم هي أن إيران ووكلاءها هم العقبة الرئيسة أمام عالم الاندماج الممتد من أوروبا، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى آسيا والمحيط الهادئ.
ولكنني أختلفُ معه. فحجر الزاوية في هذا التحالف برمته هو المصالحة بين إسرائيل والفلسطينيين المعتدلين.
والأكيد أنه إذا قامت إسرائيل الآن ببدء حوار حول دولتين لشعبين مع سلطة فلسطينية خضعت للإصلاح، هي التي قبلت معاهدة أوسلو للسلام من قبل، فإن ذلك سيمثِّل الضربة الدبلوماسية القاضية التي سترافق، وتعزز الضربة العسكرية القاضية التي وجهتها إسرائيل للتو لـ«حزب الله» و«حماس».
إذ من شأنه أن يعزل قوى «الممانعة» في المنطقة تماماً، وينزع عنها ثوب المدافعة عن القضية الفلسطينية الزائف. والأكيد ألا شيء سيزعج إيران و«حماس»، و«حزب الله»-- أكثر من ذلك.
ولكن للقيام به، سيتعين على نتنياهو أن يركب مخاطرة سياسية أكبر من المخاطرة العسكرية التي أقدم عليها للتو من خلال قتل قيادة «حزب الله».
إذ سيتعين عليه أن ينفصل عن  ما يمكن تسميته بـ «حزب الله» الإسرائيلي – والمقصود بذلك ائتلاف اليمين المتطرف المؤلف من عنصريين من المستوطنين . والحال أن هذه الأحزاب هي التي تُبقي نتنياهو في السلطة، ولهذا فإنه سيحتاج لاستبدالها بأحزاب وسطية أعلمُ أنها ستقبل بالتعاون معه في مثل هذه الخطوة. 
وعليه، فالتحدي الرئيس اليوم هو كالتالي: إن المعركة بين عالم الاندماج وعالم الممانعة تتعلق بأشياء كثيرة، ولكن الأهم الآن هو ما إن كان نتنياهو مستعداً لإتباع ضربته ضد «حزب الله» اللبناني بضربة سياسية مماثلة لـ«حزب الله» الإسرائيلي.
*كاتب وصحافي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»