زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة التي استمرت 3 أيام كان من الممكن اعتبارها زيارة روتينية بالنظر إلى حمى الانتخابات الرئاسية المتواصلة هناك، والحال أنها كانت زيارة جوهرية، وتؤكد أن العلاقات الهندية الأميركية باتت الآن على مسار معين، ولا يمكنها أن تهتز بسبب انتخابات أو تغييرات في القيادة.
وقد كان جدول أعمال مودي مزدحماً خلالها، إذ سعى إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ولكن أيضاً إلى الدفع بالجهود على الصعيد متعدد الأطراف، إذ شارك في قمة قادة مجموعة «الرباعي»، وعقد اجتماعاً ثنائياً مع الرئيس جوزيف بايدن. كما التقى قادة الأعمال وأعضاء الجالية الأميركية في المهجر، التي من المعروف أنها مهمة من الناحية السياسية.
اجتماع بلدان «الرباعي» أفضى إلى بعض النتائج المهمة. فقد أعلنت الهند عن مبادرة جديدة لتخصيص 50 منحة دراسية بقيمة نصف مليون دولار للطلبة من منطقتي الهند والمحيط الهادئ. ووفقاً للإعلان، فإن المجموعة الرباعية ملتزمة بتعميق الروابط بين شعوب المجموعة وشركائها. ومن خلال برنامج زمالة «الرباعي»، تعمل الدول الأعضاء على بناء شبكة من قادة العلوم والتكنولوجيا والسياسات من الجيل القادم. كما وقّع قادةُ مجموعة «الرباعي» اتفاقية بحرية، وأعلنوا عن بعثة مشتركة لخفر السواحل. وهذا يعني أن البلدان الأربعة، الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، ستقوم بدوريات مشتركة لخفر السواحل في منطقتي الهند والمحيط الهادئ، وهي خطوة مهمة لمجموعة الرباعي. كما التزمت دول المجموعة بمبادرة «مشروع محاربة السرطان»، والتي ستركز في البداية على الحد من سرطان عنق الرحم في منطقتي الهند والمحيط الهادئ بالتعاون فيما بينها لزيادة التطعيمات ضد فيروس الورم الحليمي البشري والفحص والعلاج.
ولئن أصبحت الأمور أكثر وضوحاً بخصوص مجموعة «الرباعي»، فإن العلاقات الثنائية بين الهند والولايات المتحدة قد تعززت أكثر خلال الزيارة، إذ أعلن الرئيس بايدن ورئيس الوزراء «مودي» عن شراكة عسكرية في مجال صناعة أشباه الموصلات. وهذا أمر مهم لأن الهند تحاول إنشاء صناعة أشباه الموصلات من الصفر. ولهذا الغرض، تحتاج نيودلهي لمساعدة من الولايات المتحدة لإنشاء صناعة التكنولوجيا المتقدمة. وقد حاولت الهند الاستفادة من الاضطرابات التي سببتها جائحة كوفيد- 19، عندما تأثرت خطوط الإنتاج العالمية بسبب نقص الرقائق إبان الجائحة. اضطرابات تجاوزت فترة الجائحة بكثير، ما أدى إلى سباق لتنويع سلاسل التوريد التي تهيمن فيها شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية «تي إس إم سي» لوحدها على نحو 50 في المئة من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات.
ويُنظر إلى الهند، التي تتمتع بعدد كبير من العمالة ذات المهارات المنخفضة وحوافز حكومية جذابة، على أنها تتمتع بميزة جيوسياسية وسط «حرب» الرقائق الأميركية الصينية المستعرة،. كما تمحورت المحادثات بين الهند والولايات المتحدة حول شراء الهند لطائرات من دون طيار من طراز«بريداتور». وعقب الاجتماع، أعلن البيت الأبيض أن علاقة الولايات المتحدة مع الهند متينة، وما فتئت تزداد متانة.
وفي تطور آخر، لاقى ترحيباً واسعاً في البلاد، أعادت الولايات المتحدة إلى الهند 297 قطعة أثرية، بعضها كان معروضاً في مقر إقامة الرئيس بايدن خلال الاجتماع. وقبل ذلك، كانت الولايات المتحدة أعادت 578 قطعة أثرية ثقافية إلى الهند في وقت سابق. وقد أصبحت إعادة القطع الأثرية الهندية إلى الهند جانباً مهماً من جوانب التفاهم والتبادل الثقافي بين الهند والولايات المتحدة منذ 2016.
وفي تطور آخر يحظى بمتابعة مهمة في الهند، رحّب الزعيمان بقرار«ناسا»، و«إسرو» رسم إطار استراتيجي للتعاون في مجال الرحلات الفضائية المأهولة بحلول نهاية 2023. فقد أعلنت «ناسا» أنها ستوفر تدريباً متقدماً لرواد الفضاء الهنود في مركز جونسون للفضاء في هيوستن بولاية تكساس بهدف التعاون بشأن مشروع مشترك إلى محطة الفضاء الدولية في 2024.
وفي الوقت نفسه، حصل مودي أيضاً على فرصة لتقديم الهند باعتبارها دولة مؤثّرة تسعى إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا. فعلى غرار العديد من الدول الأخرى، اتخذ مودي موقفاً يتمثل في أنه لا يمكن وقف هذه الحرب إلا من خلال الدبلوماسية عارضاً المساعدة. وفي محادثاته مع زيلينسكي، وهي الثانية من نوعها في الآونة الأخيرة، انصب تركيزه على عقد قمة سلام ثانية محتملة.
وفي فعالية خاصة بالجالية الهندية، قال مودي إن الهند أصبحت الآن «صوتاً قوياً» للجنوب العالمي وأنها تدافع عن مخاوف العالم النامي بشأن النزاعات في محادثاتها مع القيادة العالمية. وقال في «قمة المستقبل» التي نظمتها الأمم المتحدة، إن نجاح البشرية يعتمد على«قوتها الجماعية، وليس في ساحة المعركة». 
ولا شك في أن زيارة مودي إلى الولايات المتحدة كانت مهمة، نظراً لأنها تناولت القضايا الثنائية، وكذلك القضايا متعددة الأطراف، كما مثّلت مؤشراً على سعي الهند المتزايد، لأن تصبح صوتاً للدول النامية. وأكدت أنه إذا كانت الولايات المتحدة سيكون لها رئيس جديد قريباً، فإن العلاقة بين الهند والولايات المتحدة تسير في مسار خاص بها وتتمتع بدعم كلا الحزبين.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي